سلطة الشعب الديمقراطية وإرادته الشرعية

في ظل تهديدات إرهابية هستيرية غير مسبوقة، ربما يستعد الشعب المصري للخروج الرابع غداً، احتفالاً بيوم 25 يناير، تأكيداً لفكرة أن ثورة يونيو الشعبية كانت على الرئاسة الإخوانية، وليست على ثورة يناير الشعبية، وتقديراً لمواقف الشرطة المصرية في تأمين الاستفتاء الشعبي، وتأكيداً لعودة الشرطة لدورها الوطني في حماية أمن الشعب..

ودعماً للجيش الوطني المصري، تقديراً لدوره التاريخي الحاسم في حماية إرادة الشعب في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ودعوة لقائده العام الشجاع بالترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية.

وهنا لا ننسي أن 25 يناير هو عيد الشرطة المصرية، وكما أوضح الباحث الكبير سيد ياسين في "الأهرام"، فإن ما حدث هو أن نشطاء بعض المنظمات المرتبطة بالخارج، وظفوا قضية خالد سعيد سياسياً بدعم إعلامي دولي، للقيام بتظاهرة "شبابية" ضد الشرطة في يوم عيدها، لكن الشعب المصري الغاضب من الفساد والاستبداد والمعاناة الاقتصادية والاجتماعية، الذي كان جاهزاً للثورة، هو الذي تحرك بجماهيره الشعبية ليحول التظاهرة المدبرة إلى ثورة شعبية مبررة. النشطاء صنعوا تظاهرة ضد الشرطة، لكن الشعب قام بثورة ضد النظام.

وكما بدا من ملفات الفريق الراحل عمر سليمان رئيس المخابرات العامة الأسبق، لم يكن استهداف ضرب الشرطة ومهاجمة مبانيها إلا تمهيداً لإخلاء الشوارع من الشرطة المصرية، تنفيذاً للمؤامرة الصهيوأميركية القائمة على الوقيعة بين الشعب والشرطة والجيش، ليخلو لعملائهم الشارع المصري، ولتنشب الفتنة بين أطيافه وصولاً إلى تقسيم مصر إلى شوارع سياسية ومناطقية متصارعة في غياب الأمن، تنفيذاً لخطة "المستنقع المصري"، كما أسموها!

واليوم بعد إنجاز التصويت الشعبي في مصر على مشروع الدستور بنجاح فاق التوقعات، رغم التهديدات والتحديات، أصبح من حق الشعب المصري أن يتطلع إلى المستقبل، وأن تواصل الإرادة الشعبية الغلابة مسيرها نحو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على خريطة المستقبل، بعد أن أسقطت الحكم الإخواني بثورة يونيو، فصححت مسار ثورة يناير في اتجاه أهدافها الأصلية، ونجحت في تجاوز كل المحاولات البائسة واليائسة، لتعطيل عملية العبور من المرحلة الانتقالية إلى الدولة الدستورية الديمقراطية.

وبالخروج المصري الثالث للاستفتاء غير المسبوق بأكثر من 20 مليون ناخب رغم التهديدات الإرهابية، وبالموافقة الشعبية الكاسحة بنسبة 98% على دستور ما بعد ثورة 30 يونيو 2013 في عهد الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، بما يفوق كثيراً أعداد المشاركين ونسب الموافقة في استفتاء دستور 2012 ما بعد ثورة 25 يناير، الذي وضع في ظل الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، طبقاً للنتائج الرسمية للجنة العليا القضائية، التي لم تشكك جهة معتبرة في سلامتها سوى أصحاب الغرض أو المرض، أكد الشعب المصري إرادته وثبت شرعيته!

وبذلك استحق الشعب المصري الذي حول المناسبة إلى فرح شعبي، تهنئة كل الشخصيات والمنظمات الدولية والوطنية التي تابعت سير عملية الاستفتاء، التي أكدت بجلاء نزاهة الأداء، وأن ما تم رصده من أخطاء إجرائية لم يرق إلى حد التأثير السلبي في سلامة النتائج المعلنة...

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول المهنئين، والحكومة الصينية، والأمين العام للأمم المتحدة، ومفوضة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي كاترين آشتون، ورئيس وفد الكونغرس الأمريكي إلى مصر، الذي أكد أن مصر لم تعد بحاجة لثورة جديدة بوجود صناديق الاقتراع، مشيداً بأن قيادتها تسير الآن نحو الديمقراطية.

وعربياً تلقت مصر تهاني الدول الشقيقة، التي بدأها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز باتصال هاتفي بالرئيس المصري، ثم توالت التهاني العربية الأخرى، وفي مقدمتها التهنئة الإماراتية على لسان سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، والكويتية، والبحرينية والأردنية، والجزائرية، والمغربية، كما أشاد بالاستفتاء الدستوري الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، والدكتور عبد اللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، ولجنة المتابعة العربية والأفريقية للاستفتاء، وقد أشادوا بنزاهته وسلامة نتيجته.

وبينما قال رورا باكر، رئيس وفد الكونغرس الأميركي الذي يزور مصر حالياً، إن الرئيس السابق محمد مرسى أطيح لأنه كذب على الناس، ولم يأخذ الناس إلى الطريق الديمقراطي وانتهك حقوق الإنسان، ومن حق الناس أن يعترضوا عليه، وإنه يعلن اليوم بسرور أن قادة مصر يسيرون بها على الطريق السليم نحو الديمقراطية، وقالت تيرا دال، المراقبة لعملية الاستفتاء على الدستور، لجريدة "صدى البلد" المصرية:

كنت شاهدة على المد والجزر الذي شهدته مصر منذ ثورة يونيو، والواقع على الأرض في مصر مختلف تماماً عما تقرأه في صحيفتي الواشنطن بوست ونيويورك تايمز، فالإعلام الغربي لا يمثل حقيقة الموقف في مصر، إذ إن الإعلام الغربي يبدو وكأنه يعمل لصالح جماعة غير ديمقراطية، وتم رفضها من أغلبية الشعب المصري..

كما أنهم لا يدركون حقيقة أن المصريين يحاربون الإرهاب، مضيفة أن "النقاد ذاتهم الذين ينتقدون خريطة طريق الديمقراطية في مصر، هم أنفسهم - كما أتوقع - سينتقدون إرادة الشعب المصرية في مطالبته للفريق السيسي بالترشح للرئاسة، والسؤال الآن هو: هل يدافعون حقاً عن الديمقراطية؟"

وأكدت "تيرا" أنه "إذا كان الإعلام الغربي مسانداً حقاً للديمقراطية، فعليه مساندة إرادة الشعب المصري التي ظهرت في المسيرات السلمية ومراكز الاقتراع، فالديمقراطية تتطلب حكماً بواسطة الشعب، ومن أجل الشعب، كما أنها تتطلب إطاحة الحاكم غير العادل، كما علمنا آباؤنا المؤسسون للديمقراطية".

وهنا أقول إنه بينما الحالة الشعبية المصرية، بأمواجها الثائرة ومتغيراتها المتواترة وتوجهاتها الديمقراطية المؤثرة بالطبيعة في الحالة الشعبية العربية، وبالنظر إلى ما شهدته وتشهده من أحداث كبرى عميقة ومتسارعة وفوارة، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ربما نجد أنفسنا في ظل الجدال الدائر والسجال المستمر بين دعاة الديمقراطية والشرعية وأدعيائها، بحاجة لأن نتذكر دوماً أن الديمقراطية ببساطة هي "سلطة الشعب"، وأن الشرعية بوضوح هي "إرادة الشعب".

 

الأكثر مشاركة