في مواجهة الحرب الإرهابية والدعائية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يخفى على كل ذي عينين أننا، عربياً وإسلامياً بلا استثناء، نواجه تهديداً إرهابياً شرساً عموماً، وحرباً إرهابية مسعورة خصوصا ضد مصر وسوريا والعراق وليبيا وتونس واليمن، وبالتحديد الدول التي حاربت جيوشها الوطنية ضد إسرائيل وناهضت سياساتها المشاريع الصهيو أميركية، وهي للمفارقة الدول ذاتها التي شهدت ماسمي بـ"الربيع العربي"، والذي انكشف أخيرا لكل ذي عينين أنه تحول بالحالة الإرهابية المصدرة غالبا خارجياً والمبررة أحيانا داخلياً، إلى "ربيع غربي" و"خريف عربي".

كما لا يخفى على كل ذي عينين، أننا نواجه في الوطن العربي وفي الأمة الإسلامية بلا استثناء، حربا دعائية سوداء تخدم المخطط التآمري الصهيوني الغربي ضد ما هو إسلامي وعربي، وضد رجال الجيوش والشرطة، عبر العديد من وسائل الميديا الإعلامية الغربية وتوابعها العربية، وذلك في ما يدخل ضمن حروب الجيل الرابع القائمة على قلب الصور أو عرض جانب منها أو فبركتها، وقلب الحقائق أو النظر إليها بعين واحدة مغرضة، وترويج الأخبار الكاذبة والإشاعات الهادفة لإشاعة البلبلة والفوضى.

وبينما تدين الغالبية الشعبية والسياسية العربية والإسلامية كل أشكال الإرهاب تحت أي تبرير، وتفرق بين الارهاب الإجرامي والنضال السياسي، والمقاومة الوطنية، فإن البعض يحرض عليه، والبعض يوفر له الغطاء السياسي بالغرض والمرض والجهل والخبث، تحت دعاوى مختلفة، وفق مفاهيم دينية وفكرية وقانونية مغلوطة، تساعده في ذلك فضائيات وصحف وأفكار وأقلام الفتنة ودعاة الفوضى.

من هنا تلتبس الرؤية على البعض أحيانا بين العقلاء العادلين والأدعياء المغرضين، وبينما يدين كل العقلاء "الإرهاب الإجرامي" باعتباره جريمة ضد الأبرياء، لكنهم مع المقاومة الشعبية المسلحة ضد قوات الاحتلال المسلحة، باعتبارها دفاعا مشروعا عن الوطن..

وليس ضد قوات الوطن المسلحة، باعتبارها إجراما إرهابيا وخدمة لأعداء الوطن. وفي حين يدينه البعض لمجرد الإدانة من باب تسجيل أو تمويه المواقف، يكتفي البعض بالإدانة دون تفنيد الدعاوى والفتاوى المغلوطة، أو دون البحث عن الأسباب والدوافع، فيما يعدد البعض أسبابا تخدم أهدافه السياسية دون الأسباب الحقيقية، والبعض يصل إلى عدد من الأسباب الحقيقية دون مبادرة واقعية للعلاج، أو دون اتفاق بين الجميع على وسائل المواجهة الشاملة للإرهاب، أمنيا وسياسيا وفكريا وقانونيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأخلاقيا أيضا.

نحن ندين كل أشكال الإرهاب تحت أي لافتة، ونقول بكل وضوح إن النضال ليس إرهابا والإرهاب ليس نضالا، وأن الإرهاب ليس جهادا والجهاد ليس إرهابا، لكن إدانتنا لهذا الإجرام الإرهابي لا تمنعنا من مد البصر إلى الجذور لاقتلاعها، أو محاولة البحث عن الدوافع لعلاجها، بهدف إزالة أسباب تلك الظاهرة الخطيرة التي تهدد أمن وطننا وأمن مواطنينا.

ولا بد من التأكيد على أن مشكلة التطرف الديني أو الفكري، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، الذى يستخدم العنف الدموي باسم الجهاد أو العنف الثوري باسم النضال ضد رجال الجيش والشرطة أو المواطنين الأبرياء، لا ضد المحتلين المعتدين، بهدف مغرض أو عدواني مرضي، هو أمر تحرمه الشرائع الدينية وتجرمه القوانين البشرية وتأباه القيم الإنسانية.

لكن المشكلة تبقى رغم ذلك، نتيجة للتجريف العقلي والتخريف الفكري، والتحريف الديني والظلم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وعرض خطير لمرض كبير. والإقرار بتلك الحقيقة البسيطة لا يتناقض مع الإدانة الكبيرة، والحل في مواجهة تلك الظاهرة الفكرية لا يكون ناجعا إلا إذا كان شاملا لكل هذه المجالات، بشن حرب حقيقية على الفقر والقهر والجهل والظلم، وصولا إلى التنمية والعدل والعلم والأمن والحرية.

وهنا لا ينبغي أن ننظر بعين واحدة، فالبعض مثلا يرى أن "الإرهاب الإجرامي" باسم الدين مشكلة فكرية فقط، ناتجة عن سوء تفسير بعض "فقهاء الفتنة" لمعنى وشروط الجهاد، ويغمضون الأخرى عن بقية الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وربما يستنتج بعض الخبثاء أن حل المشكلة هو فى تغييب الدين عن شؤون الحكم والحياة! بينما يرى العلماء العقلاء أن المشكلة إنما هى نتيجة للجهل بالإسلام، الذى يحرم العدوان على المسالمين أو شهادة الزور عليه..

ويرون الحل فى استدعاء صحيح الدين فقها وفكرا ومبادئ لقيادة الحياة، وأن علاج حالة الجهل بصحيح الدين، سواء من المتطرفين الدينيين أو من المتطرفين اللا دينيين، ممكنة فقط بتمكين العلماء والعقلاء لا المغرضين أو الجهلاء، من خلال وسائل الإعلام ومناهج التعليم للتوعية والتثقيف والحوار، وإضاءة نور الإيمان حتى يقضى على ظلام الجاهلية الجديدة.

وربما يجد أصحاب كل وجهة نظر فى الأسباب المختلفة للمشكلة ما يؤيد رؤيتهم، فالذين يرون مثلا أن مسؤوليتهم عن الأمن العام للمجتمع تجعل الحل الأمني له الأولوية، وأن المشكلة ظاهرة إجرامية لا علاج لها إلا بسن القوانين الشديدة لمكافحة الإرهاب، يجدون في استمرار العنف الإرهابي سببا لتبرير الحلول الأمنية والقوانين الاستثنائية، باعتبار أن المشكلة هي أيضا أمنية واستثنائية.

وظني أنه ليس هناك سبب واحد لنشأة العنف الإجرامي أو العنف الإرهابي ولا طريق واحد للعلاج، سمه ما شئت إرهابا أو إجراما، إذ تنبع الظاهرة الإرهابية من بيئة مفرّخة وحاضنة، تجمعت فيها الأسباب وغابت عنها وسائل الوقاية وسبل التشخيص وآليات العلاج، وبعد أن يتفاقم المرض وتظهر الأعراض متفجرة، نحمل رجال الشرطة وليس الطبيب مسؤولية معالجة المريض.

المطلوب أساسا هو إعلان الحرب على الظلم، بكل أشكاله ومن كل مصادره، من أجل العدالة، وعلى الاحتلال لأوطان العرب والمسلمين من أجل الحرية، وعلى الفقر والمرض من أجل التنمية البشرية، وإعلان الحرب على الجهل والأمية الدينية والأخلاقية والسياسية، وذلك عبر وسائل تعليمية وإعلامية وثقافية وطنية ومهنية واعية، لصنع المجتمع العادل الصحيح، الطارد للإرهاب والإرهابيين.

 

Email