صعد الشعبان وسقط الإخوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل نتيجة الاستفتاء على الدستور في مصر بنسبة 95% تنبئ عن ديمقراطية، أم تبعث برسالة تشاؤم عما يمكن أن تفضي إليه «ثورات الربيع العربي»؟ وهل يمكن القول إن الديمقراطية نجحت في تونس وفشلت في مصر؟! كان هذا السؤال هو ما واجهني به مذيع إحدى الفضائيات الغربية الناطقة بالعربية، ولأن السؤال مهما كان ملتوياً أو ملغوماً هو حق للإعلامي أو الصحافي، تظل الحاجة إلى الإجابة بوضوح على أي سؤال واجب ومسؤولية الضيف المسؤول حتى مع مقاطعة المذيع!

قلت له: فلينظر إلى الاستفتاءين الدستوريين المصريين الحالي والسابق، وليقرأ التجربتين التونسية والمصرية جيداً، وليرصد المآلات الكارثية لما يسمى «الربيع»، مراقب له عينان وليس عيناً واحدة غربية لا عربية! مضيفاً؛ دعني على طريقة نشرة الأخبار أبدأ بموجز الإجابة أولاً باختصار على عناصر سؤالك، ثم أنتقل لعرض الآراء لاحقاً بالتفصيل.

1ـ إن الاستفتاء الدستوري الأخير في مصر يبشر بالفعل ببداية مسار ديمقراطي بعد ثورة 30 يونيو الشعبية، بوضع حجر الأساس لبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الرئاسية والبرلمانية طبقاً لدستور 2014، توجهاً إلى المستقبل وفق الأهداف الشعبية لثورتي يناير ويونيو.

2ـ إن انتصار إرادة الشعب المصري بثورة شعبية سلمية وطنية ملايينية، غير مسبوقة في سحب الثقة من رئيس غشيم وبإسقاط حكم جماعة غشيمة، واستجابة الجيش المصري للإرادة الشعبية، هو انتصار للديمقراطية وللشرعية معاً، فالجوهر الحقيقي للديمقراطية هو سيادة الشعب..

وللشرعية هو إرادة الشعب، وبالسيادة وبالإرادة أسقط الشعب حكم الاستبداد السياسي في يناير والإخواني في يونيو، بدعم الجيش الوطني للإرادة والسيادة الشعبية في الثورتين. والذين تلقوا من انتصار الديمقراطية والشرعية رسالة تشاؤم لمصير ما يسمى بالربيع العربي، بزعم أنها انتكاسة للديمقراطية وانقلاب على الشرعية، هم أدعياء الديمقراطية وليسوا دعاتها..

وانقلابيون على الشرعية وليسوا أنصارها، بدليل تناقض مواقفهم بوصفهم لتغيير يناير بثورة لتصعيد أدواتهم، وتغيير يونيو بالانقلاب، لأنها أسقطت الإخوان أهم أدواتهم، وأفشلت الاستراتيجية الصهيوأميركية للهيمنة، هؤلاء الأدعياء المدعون هم أنصار الربيع الغربي والشتاء العربي!

3ـ لم تفشل الديمقراطية في مصر مثلما لم تفشل في تونس، بانتصار إرادة الشعبين العربيين في البلدين الشقيقين اللذين شهدا بالتزامن بواكير الثورة الشعبية العربية «السلمية»، بل بدأت الديمقراطية مسارها الناجح بعزل جماعة الإخوان عن الحكم في البلدين بأمر الشعب، وبشن الحرب على الإرهاب التكفيري نفسه..

وبإقرار الدستور التوافقي بالتزامن أيضاً، باختلافات فرعية وإجرائية في التجربتين، استفاد فيها إخوان تونس من سوء مصير إخوان مصر، فرضخوا للإرادة الشعبية وتنازلوا عن الحكم، مقابل الاحتفاظ بوجودهم في المشهد السياسي خارج الحكم!

ولكن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي دفعت الشعب التونسي والمصري إلى الثورة في وجه الفساد والاستبداد، وضد استئثار حزب واحد بالسلطة والثروة، وإقصاء أو تهميش القوى السياسية، والعبث بالدساتير وتزوير الانتخابات البرلمانية والرئاسية، سعياً لأبدية الحكم واحتكاره على عكس الإرادة الشعبية..

لا تختلف عن الأزمات التي دفعت شعوب دول ما يسمى «الربيع العربي»، إلى الثورة، إلا في شيئين هما السلمية والوطنية، بعيداً عن أساليب التمرد المسلح أو الاستقواء بالخارج لإسقاط أنظمة عربية مناهضة، باسم الثورة..

وذلك بطبيعة الموقف الوطني لا الحزبي لرجال الجيش المصري والتونسي، بما حمى الثورة السلمية من الانزلاق إلى الحرب الأهلية، واستجاب للإرادة الشعبية، وحمى الوطن من المؤامرات الخارجية، وبما أثبت مجدداً أن الجيش الوطني هو سيف الشعب ودرع الوطن.

وفيما تتشابه الأزمات التي واجهت مصر وتونس بعد ثورة يناير، مع الأزمات التي واجهت «دول الربيع»، من حيث صعود التيارات الدينية، والصراع السياسي على السلطة مع التيارات الليبرالية واليسارية، والتدهور الاقتصادي الخطير، والتجاذبات الحادة حول صياغة الدستور، وتراجع الاستقرار الأمني، والارتباك العام في المشهد السياسي، فإنها تختلف في الدور الوطني لا السياسي لرجال القضاء، بحراسته لسيادة القانون، وبوقفاته الشجاعة لحماية استقلال القضاء.

وختمت حديثي للمذيع العربي في الفضائية الغربية، بشيء من التفصيل قائلاً: أما عن دهشتك لنتيجة الاستفتاء الشعبي على الدستور المصري 2014، فلقد كانت أكثر من 98% وليست 95% فقط، وهي أعلى نسبة مشاركة لاستفتاء دستوري في مصر، بأصوات أكثر من 20 مليون ناخب..

وهو أكبر عدد مشاركين مقارنة بما سبقه من استفتاءات، وبنسبة تزيد على 38% ممن لهم حق التصويت، ولم يستطع أحد اتهام هذه النتيجة بالتزوير، أو حتى التشكيك في نزاهتها، وهو ما يسقط ديمقراطياً الشرعية السابقة ويثبت الشرعية الجديدة.

وإذا كانت تلك النسب والأعداد لا تقنعك بسلامة وديمقراطية هذا الاستفتاء الشعبي ما بعد ثورة 30 يونيو، فهل تقنعك أكثر نسب وأعداد استفتاء دستور 2012 الأقل في ظل الحكم الإخواني «المنتخب» بعد ثورة 25 يناير؟! إن أعداد المشاركين وهي 17 مليون ناخب كانت أقل، ونسبة المصوتين وهي 32% كانت أقل، ونسبة المؤيدين وهي 63% كانت أقل، رغم مشاركة جميع القوى السياسية المصرية. قال مقاطعاً:

لكن النسبة الأكبر من الناخبين قاطعت الاستفتاء الدستوري الأخير، بما يعني أنه عكس رأي أقل من نصف الناخبين فقط؟ أجبته: إذا كان مجموع الناخبين في الاستفتاءين هو 52 مليون ناخب، فما الذي حظي بعدد أكبر من المشاركين، الـ17 مليوناً أم العشرين مليوناً؟! وما الذي حقق نسبة حضور أكبر الـ32% أم الـ38%؟!

وبالتالي الثلث فقط شارك في استفتاء 2013، بينما لم يشارك 35 مليون ناخب، أي ضعف عدد المصوتين فيه.. بما يعني أن ثلثي الناخبين قاطعوه فعلياً، رغم دعوة كل القوى السياسية لأعضائها للمشاركة.. وبعكس تزايد المشاركين في استفتاء 2014، رغم إعلان المقاطعة الإخوانية والإسلاموية والثوروية الزائفة! لقد كان عدد المشاركين أكثر ونسبة المؤيدين أكبر، ولأن الرافضين قاطعوا والمؤيدين شاركوا، فهذا ما رفع النسبة التي تدهشك إلى 98%!

وإذا لم يكن رأي غالبية الشعب هو الديمقراطية الأصلية.. فما هي الديمقراطية إذاً؟ وإذا لم تكن إرادة الشعب هي الشرعية الحقيقية.. فما هي الشرعية إذاً؟!

 

Email