في ظلام جمهورية إفريقيا الوسطى الدامس، حيث تدور رحى حرب أهلية غير متكافئة بين الأقلية المسلمة (15% من السكان) وبين الأكثرية المسيحية (50% من السكان)، تبزغ علامات مضيئة لتؤكد فضيلة الرحمة التي يمتلكها البعض، والروح الإنسانية التي تتحرك بين جنبات من ينشد الخير، والذي يؤكد روح الوحدة الوطنية، بل روح الوحدة الإنسانية ورفض الظلم "فلو خليت خربت".
هذه الروح الخيّرة، يمثلها الأب إكسافير فاغبا الذي فتح كنيسته في مدينة صغيرة تدعى "بوالي"، لكي تكون ملاذاً للمسلمين من تقتيل مواطنيهم المسيحيين لهم، في حرب طائفية تنذر برحيل جميع المسلمين من هذه الدولة الواقعة في وسط إفريقيا، والتي يقدر عدد سكانها بأكثر من خمسة ملايين، وتحتل مساحة تفوق ستمئة ألف من الكيلومترات المربعة، مع ثروات هائلة من الأحجار الكريمة والغابات، ومع ذلك فهي في أسفل قائمة الدول من حيث الفقر.
فتح الأب فاغبا أبواب كنيسته على مصراعيها لتستقبل المسلمين الهاربين من الاضطهاد، فاكتظت بأكثر من 650 منهم وصلوا كما تقول بي بي سي 13/2 ـ في السادس عشر والسابع عشر من يناير الماضي. وتبرع التجار المسيحيون في المنطقة لتزويد هذا الجمع المسلم بالأغذية، إلا أنهم أصبحوا هدفاً لانتقام المسيحيين المتعصبين من حركة "أنتي بلانكا"، بل أخذت الكنيسة ذاتها تتعرض للتضييق والمهاجمة من قبل هؤلاء، على أساس أنها تؤوي أعداءهم المسلمين.
ويقول الأب فاغبا: إننا في هذا الجمع وفي هذه الظروف العصيبة، اكتشفنا أننا جميعاً مسلمين ومسيحيين نعبد إلهاً واحداً، ونحن جميعاً أبناء وطن واحد، وهو أمر يدعونا جميعاً لأن نكون إخوة متحابين.
وما آل إليه حال جمهورية إفريقيا الوسطى، التي تحدها شمالاً تشاد وغرباً السودان وجمهورية جنوب السودان وأوغندا وغيرها، كان بسبب انقلاب وقع في مارس 2013، قاده ميشال دجوتوديا وائتلاف حركة سيليكا المتمردة، وهي مجموعة قوى إسلامية رفعت السلاح في وجه الدولة ونجحت في الإطاحة بالرئيس فرانسوا بوزيزيه، الذي أعيد انتخابه في العام 2011.
وكان وصول دجوتوديا كأول رئيس مسلم لبلاد غالبيتها من المسيحيين، ونسبة لا بأس بها من أصحاب الديانات المحلية (30%)، هو الشرارة التي قادت إلى ردة فعل عنيفة في أوساط الحركات المسلحة المسيحية، من قبيل حركة "أنتي بلانكا"، والحركات الأخرى التي أتت عبر الحدود لتؤازرها، وعلى رأسها حركة "جيش الرب" الأوغندية.
وجمهورية إفريقيا الوسطى قد ابتليت بحكم العسكر منذ أن حصلت على استقلالها من فرنسا في العام 1960. فبعد حكم مدني قصير، قفز على السلطة عسكري يدعى جان بيدل بوكاسا في العام 1966، وبعد عشر سنوات من حكمه الدكتاتوري، لم يقنع بوكاسا بأن يظل رئيساً للجمهورية، بل سولت له نفسه أن يتحول إلى إمبراطور، لتخلعه ثورة شعبية بمساعدة القوات الفرنسية في العام 1979. ثم التقطت جمهورية وسط إفريقيا أنفاسها في العام 1993، بحكم مدني لم يطل إلا عقداً ليأتي انقلاب بوزيزيه في العام 2005.
وقد أجبر المجتمع الدولي الرئيس ميشال دجوتوديا على الاستقالة في يناير الماضي، ضمن صفقة إقليمية ترمي إلي إعادة السلم إلى البلاد، وانتخب البرلمان المؤقت سامبا بانزا رئيسة، وهي مسيحية تعرف بحيادها. وكانت فرنسا والدول المجاورة قد أرسلت بضعة آلاف من الجنود لفرض الأمن والسلام، غير أن الأمن والسلام بعيدا المنال.
فقد أصبح المسلمون هدفاً لهجمات الجماعات المسيحية المتطرفة، وبالذات في وسط البلاد وفي العاصمة بانغي، وهذه الهجمات ليس سببها سياسياً أو دينياً فحسب، بل أيضاً النظرة إلى المسلمين على اعتبار أنهم يحتلون مواقع أفضل من باقي مواطنيهم، في مجالات التجارة وغيرها من النشاطات الاقتصادية.
وقد حذّر مدير وحدة الطوارئ في منظمة هيومان رايتس وتش، بيتر بوكارت، من أنه إذا لم تتم السيطرة على العنف، فقد يؤدي ذلك إلى فرار جميع المسلمين خلال أيام أو أسابيع قليلة. وذكر بوكارت لـ"بي بي سي" (10/2)، أنه شاهد بأم عينه مسلماً يُضرب حتى الموت!