تطويع التقنيات لإسعاد الناس

أصبح التطور البشري والعالمي على كافة الأصعدة، أسيراً للتطور التقني المتسارع في تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال، والتي أصبحت تقود زمام الأمور بالنسبة للتغييرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فقد أثرت التكنولوجيا الحديثة بشكل واضح على جميع مناحي الحياة البشرية، فقربت المسافات وسهلت الحصول على المعلومات وسرعة الخدمات.

لذلك فقد احتدمت المنافسة على اقتناء التقنيات الحديثة، على مستوى الأفراد الراغبين في تطوير حياتهم ومهاراتهم ومعلوماتهم أو حتى اتصالاتهم المجتمعية، وبين المؤسسات والشركات الراغبة في تطوير خدماتها وزيادة أرباحها ومستوى تنافسيتها في سوق العمل، وبين الدول والحكومات الراغبة في تطوير اقتصاداتها ومجتمعاتها ومستوى معيشتها. لذا فسباق التسلح التقني والمعلوماتي بدأ ولن ينتهي، وسرعة تطور التقنيات المعلوماتية تتضاعف مع مرور الوقت لتصل لأبعد من حدود الخيال، فالنجاح أصبح مرتبطاً بالقدرة على اقتناء وتسخير التقنيات لتحقيق الأهداف والغايات.

ونحن إذ نعيش في دبي، مدينة المستقبل، أو كما يحلو للبعض تسميتها "مستقبل المدن"، والتي أصبحت تملك الرصيد الوافر من النجاحات والمؤشرات العالمية، في ظل حكومة فاعلة وخلاقة، نرى كيف هي ماضية قدما في مواكبة الحقبة العالمية المتغيرة، وقراءة ما وراء خارطة التطورات العالمية، عبر إطلاق مبادرات تعزز من مكانتها، وترتقي بمستوى تنافسيتها على المستوى العالمي، وتحقق الرفاه والسعادة للمقيمين على أرضها. فبعد أن حققت حكومة دبي تقدما كبيرا في الوصول إلى الحكومة الإلكترونية، ها هي الآن تسابق الزمن سعيا للتحول إلى المدينة الذكية.

ويعكس هذا التوجه إعلان استراتيجية "دبي أذكى مدن العالم"، وما تضمنته من رؤية مستقبلية ومرحلة جديدة من تحسين وتطوير جودة الحياة، من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص لصنع واقع جديد للجميع، وتغيير مفهوم المدينة التي يعيش فيها الإنسان، لتعيش هي معه في هاتفه الذكي ويكون هو محورها الأساسي.

احتوت استراتيجية "دبي مدينة ذكية" على ستة محاور أساسية، وتحويل 1000 خدمة حكومية رئيسة لخدمات ذكية، وغرفة تحكم خماسية الأبعاد لمراقبة كل عمليات المدينة، ومختبر عالمي مفتوح للمبدعين وللشركات المتخصصة لتجربة وتطبيق التقنيات، وفترة زمنية للتطبيق لا تتجاوز ثلاث سنوات. فعلاً إنها استراتيجية طموحة، استراتيجية شاملة، تتطلب جهودا جبارة لتكون واقعاً يعيشه المقيمون في المدينة.

وفي خضم هذا السعي الحثيث والاستراتيجية الطموحة لمواكبة سرعة التطور التقني وتطويعه لتحقيق سعادة الناس، تبرز أهمية رص الصفوف وتكامل الجهود بين المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، كما تبرز العديد من التحديات، التي يجب التعامل معها لتحقيق تحول ذكي ناجح وأكثر فاعلية، لذا فمن المهم تسليط الضوء عليها والتعامل السليم معها، وهذا ما نطرحه بإيجاز في النقاط التالية..

التغيير الاجتماعي: التغير التقني السريع، غالباً مع يتعارض مع التغيير الاجتماعي والسلوكي للأفراد الذي يتصف بالبطء، لذا تجب مضاعفة الجهود لزيادة الوعي التقني الذي يجب أن يتزامن مع طرح الخدمات التقنية، وذلك لضمان أكبر استفادة منها، مع الأخذ في الاعتبار الاحتياجات الخاصة لمختلف فئات ومكونات المجتمع.

كفاءة الخدمة: التأكد من كفاءة وفاعلية الخدمة المقدمة باستخدام التقنيات المتطورة، وذلك من خلال عدد المستخدمين للخدمة الإلكترونية من إجمالي عدد المستخدمين، ونسبة رضاهم عن الخدمة المقدمة، فمؤشر الأداء هنا ليس عدد الخدمات المقدمة إلكترونياً، بل عدد المستخدمين لها ونسبة رضاهم، لذا فالتوجه السليم هو أن تكون التقنيات هي الوسيلة وليست الغاية، فالغاية تبقى دائماً إسعاد الناس.

الأمن التقني: لا تخلو التقنيات الحديثة من نواحٍ سلبية يجب عدم إغفالها، وخصوصاً في ما يتعلق بحماية البيانات الحكومية والخاصة ضد الاختراقات التقنية، وحماية خصوصية الأفراد. بالإضافة لذلك، تحقق مركزية قواعد البيانات وإتاحتها للأفراد فوائد تنموية واقتصادية، ولكن يجب أن يتم استخدام هذه البيانات بما لا يخل بمصالح الدولة أو الأفراد أو الأمن الوطني.

امتلاك التكنولوجيا: كما أسلفنا أصبح النجاح مرتبطاً بتسخير التقنيات لتحقيق الأهداف، وهنا نقول إن استمرارية النجاح ستكون مرتبطة بامتلاك التكنولوجيا، وفي هذا المسار نجد أن دولتنا خطت خطى ناجحة نتمنى استمرارها، ودليلنا على ذلك مدينة مصدر في أبوظبي، وإطلاق أول قمر صناعي بأيادٍ وطنية 100% في دبي.

تأهيل الكوادر الوطنية: امتلاك التقنية يسبقه امتلاك كوادر وطنية مؤهلة لقيادة المرحة المقبلة، التي تعتمد التكنولوجيا كحجر اساس للتقدم والنجاح، لذا يجب الاهتمام بدفع عجلة التعليم التقني، وهنا يبرز دور المؤسسات التعليمية والتدريبية في إعداد وتخريج قياديين على دراية كافية بكيفية عمل الأنظمة الذكية ومتطلباتها. تقنيات التعليم: إدماج التكنولوجيا في وسائل التعليم يؤدي إلى رفع جودة ومخرجات التعليم، كما يؤدي لتغيير سلوكي ومجتمعي نحو الاستخدام الأمثل والإيجابي للتقنيات بما يخدم الفرد والمجتمع.

لكل مرحلة تمر بها الدول المتطوّرة مشهد يخلّده التاريخ، ويلهم الأجيال المقبلة للمضي قدماً في صياغة حضارتها وإرثها، والتحول الذكي هو خيار حكومتنا في السنوات القادمة، لضمان حاضر ومستقبل مشرق لدولتنا، لذا يجب علينا المضي بثقة في عالم التكنولوجيا، تقودنا بصيرتنا لـ"تطويع التقنيات لإسعاد الناس".

الأكثر مشاركة