الانقلابيون الأميركيون في أوكرانيا ومصر

تصدرت التطورات السريعة في أوكرانيا عموماً، وفي شبه جزيرة القرم خصوصاً، اهتمام وسائل الإعلام العالمية، فيما يعقد مجلس الدوما الروسي اليوم جلسة خاصة لإصدار تشريع بشأن طلب برلمان وحكومة القرم الانضمام لروسيا الاتحادية، بعدما أظهر الاستفتاء الشعبي الأخير تأييد الأغلبية الساحقة من سكانها ذوي الثقافة الروسية، للاستقلال عن أوكرانيا والانضمام لروسيا بمشاركة 83 % من الناخبين..

وبموافقة 97 % من المشاركين، بما يضع حكومة الانقلاب في كييف ومن يقف وراءها في واشنطن وعواصم أوروبا، في موقف صعب، والخيارات في مواجهته أصعب! وقد تسارعت وتيرة الأحداث الاحتفالية السياسية والشعبية في جمهورية القرم، وردود الفعل المهزومة في أوكرانيا، والمأزومة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بصورة جعلت العالم كله يترقب بقلق تداعيات الأحداث هناك منذ فجر الاثنين الماضي، مع إعلان نتائج الاستفتاء..

وإعلان البرلمان الفوري القرم جمهورية مستقلة ذات سيادة، واعتراف روسيا الفوري باستقلالها، وتوجه رئيسي البرلمان والحكومة على رأس وفد شعبي ورسمي إلى موسكو في اليوم نفسه، لتأكيد طلب الاتحاد مع روسيا. وفي اليوم التالي، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، في خطاب أمام البرلمان الروسي بمجلسيه، الموافقة على انضمام جمهورية القرم إلى الاتحاد الروسي، ووقع مرسوماً بهذا الخصوص، رغم المواقف الغربية المعارضة، والتهديد بفرض عقوبات أوروبية وأميركية على روسيا.

وتلا هذه التطورات إجراء أوروبي يبدو حذراً ومتردداً، بفرض عقوبات على بعض الشخصيات الأوكرانية والروسية "المسؤولة عن تنظيم الاستفتاء في القرم"، لكن لم تصدر معها أية عقوبات للدولة الروسية، بينما يؤكد كبار الساسة والمراقبين الأميركيين والأوروبيين أن الخيارات محدودة جداً اقتصادياً، ومستحيلة عسكرياً، أمام واشنطن وبروكسل لتغيير الأمر القانوني الجديد في القرم، الذي اكتسب شرعية شعبية وبرلمانية، مع وجود قوات روسية على الأرض!

وقد حذرت وزيرة الخارجية ومستشارة الأمن القومي الأمريكي السابقة كونداليزا رايس، وكذلك ثعلب السياسة الخارجية هنري كيسنغر، في مقالين في صحيفة الواشنطن بوست الأسبوع الماضي، الرئيس الأميركي باراك أوباما من الذهاب بعيداً في دعم المتطرفين في كييف، أو في العودة للحرب الباردة، أو تجربة حرب ساخنة مع روسيا، لما لذلك من نتائج خاسرة لواشنطن، مؤكدين أنه من غير المنطقي أن تقبل روسيا بحلف الناتو على حدودها..

كما أن من رابع المستحيلات أن تتخلى روسيا عن روابطها الوثيقة مع القرم وعموم أوكرانيا.. وأن أي تهور أميركي أو اندفاع أوروبي غير محسوب في هذا المجال، ستدفع ثمنه العواصم الأوروبية الحليفة لواشنطن، وستتحمل أعباءه واشنطن في النهاية، خصوصاً مع الفارق بين الموقفين الأميركي والأوروبي، والفوارق بين المواقف الأوروبية ذاتها، وخاصة مع فشل الغرب في الخروج بقرار من مجلس الأمن الدولي يلغي شرعية الاستفتاء الشعبي في القرم..

كما أن أوروبا ليست في موقف يتيح لها فرض عقوبات، لأنها في هذه الحالة سترتكب حماقة أن تعاقب نفسها بنفسها قبل أن تعاقب موسكو! وخروجاً من الاستغراق في استعراض مسارات الأحداث المتحركة والمتسارعة على الجانب الروسي وحده، وبينما الحالة دافعة إلى المقارنات للخروج بالملاحظات، فسأحاول هنا توسيع مساحة الرؤية لاستخلاص دلالات هذه الأحداث، وذلك بالمقارنة بين موقفين متناقضين لمجلس الأمن، بما يعكس ازدواجية المعايير في القضايا الدولية تبعاً لقوة الضغط..

الأول، جاء بضغط غربي، ودون موافقة العاصمة الصربية أو روسيا، وتمثل في المطالبة بإجراء استفتاء على استقلال إقليم كوسوفو، وإضفاء المشروعية عليه، والثاني، هو معارضة مجلس الأمن، بضغوط غربية، لإجراء استفتاء مماثل على استقلال إقليم القرم، ومحاولة حجب المشروعية عنه، لولا الفيتو الروسي!

وهناك دافع أكثر وضوحاً للمقارنة بين موقفين أميركيين وغربيين متناقضين، بما يعكس ازدواجية المعايير في السياسة الأميركية غالباً، والأوروبية أحياناً، تبعاً للمصالح لا المبادئ. الأول، الموقف من الانقلاب الأوكراني ووصفه زوراً بالثورة الشعبية، والثاني، من الثورة الشعبية المصرية ومحاولة وصفها زوراً بالانقلاب، بما يعكس زيف الشعارات المعلنة عن الحرية والديمقراطية والثورة وحقوق الإنسان، وأيضاً عن مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب..

وكل ذلك يكشف بوضوح، أن النفاق الأميركي الغربي يقف مع الديكتاتورية ومع الانقلاب ومع الإرهاب، حينما تحقق المصالح الغربية على حساب المبادئ الإنسانية..

ويستخدم شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان حينما تخدم مصالحه، أو كأداة لابتزاز الدول والضغط على الحكومات لتحقيق إملاءاته وتنفيذ مشاريعه، فالأميركان في مصر كشفوا أنفسهم، وأسقطوا أقنعتهم المتعددة واحداً وراء الآخر، في مراحل الثورة المصرية والأوكرانية، بأنهم الانقلابيون الحقيقيون على الديمقراطية والشرعية والحقوق الإنسانية والقوانين الدولية!

 

الأكثر مشاركة