حول الانتخابات الرئاسية المصرية والجزائرية

أربعة مشاهد عربية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في المشرق والمغرب العربيين خلال الشهرين القادمين، تشد أنظار المراقبين والإعلاميين هذه الأيام، في اتجاه مصر والجزائر خصوصاً، وفي اتجاه سوريا والعراق لاحقاً، بعد مرور ثلاث سنوات من مرحلة "الفوضى الدامية الهدامة"!

ويستأثر بالاهتمام حالياً المشهدان المصري في المشرق والجزائري في المغرب، واللذان يموجان الآن بالحراك الشعبي والسياسي والفئوي والجهوي، بين المؤيدين والمعارضين للمرشحين، وهما على مشارف استحقاق انتخابي رئاسي جديد، رغم تباين الواقع السياسي والاقتصادي والظرف التاريخي للبلدين الشقيقين، لما لهما من وزن مؤثر على مسارات الأحداث التالية في الوطن العربي مشرقاً ومغرباً.

في مصر يبدو الاستحقاق الانتخابي الرئاسي هو المشهد الأكثر أهمية بعد ثورة يونيو الشعبية الملايينية، التي دعمها الجيش الوطني بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي، ضد الحكم الإخواني الظلامي، استجابة للمطالب الشعبية بما أنقذ البلاد من حرب أهلية، وهو الخطوة الثانية بعد إقرار دستور 2014 بتأييد كاسح، على طريق خارطة المستقبل إلى الانتخابات البرلمانية التالية، كختام لمرحلة الانتقال السياسي الصعب من الثورة إلى الدولة.

أما في الجزائر فهذا هو المشهد الرابع في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، دون التورط في ثورة ضمن "الربيع الغربي" الذي دعمه الحلف الأطلسي لإشاعة "الفوضى الخلاقة" في العالم العربي، لرفض الشعب الجزائري الواعي، السقوط باسم "الربيع" في فخ الاحتراب الأهلي بعدما دفع الثمن الإنساني الباهظ مرتين؛ الأولى ضد المستعمر الفرنسي طلباً للاستقلال، والثانية ضد الإرهاب التكفيري طلباً للاستقرار، بعد القضاء على الإرهاب الأسود!

وهنا كان العنصر المشترك الضامن والفاصل في المشهدين السابقين، هو الدور الوطني للجيش المصري الذي تصدى للإرهاب الإسلاموي الدامي، بعد ثورة يونيو الشعبية على مدى أقل من عام، سعياً لتحقيق الأمن والأمان للوطن والمواطن، بتصفية آثار العام الأسود من حكم الإخوان الذي أطلق الإرهابيين في مصر.

. وهو الدور الوطني للجيش الجزائري، الذي تصدى للإرهاب الإسلاموي الدامي على مدى عشرة أعوام، سقط فيها عشرات الآلاف من الشهداء والقتلى ومئات الآلاف من الجرحى، وحقق الأمن والاستقرار للوطن والمواطن، في إطار مبادرة الوئام الوطني بعد نزيف الدماء الرهيب خلال تلك "العشرية السوداء"!

وبينما سادت غالبية الشعب المصري حالة ترقب طويل لاستجابة المشير السيسي للمطالبات الشعبية الداعية لترشحه للرئاسة، وهو ما سوف يتم غالباً كمرشح مدني بعد فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية المصرية بعد غد الأحد، سبق ذلك جدل مفتعل وصادم لمستوى الثقافة الدستورية والوعي السياسي، بين أوساط النخبة النكبة في مصر حول قانون الانتخابات، حسمه الرئيس المستشار الدستوري عدلي منصور بعد حوار مجتمعي وقانوني وسياسي..

جدل صادم، لأن بعض المرشحين المحتملين وبعض الساسة والقانونيين والإخوان المعروفين بمعارضتهم لترشح قيادة عسكرية للرئاسة، اتساقاً مع الاعتراض الأميركي المحموم لمنع المشير السيسي من الترشح، رفعوا أصواتهم بما يشبه الضجيج، أن القانون "غير دستوري" لأن الدستور يمنع تحصين القرارات الإدارية، بينما هذا القول المردود يكشف إما سوء الفهم أو سوء النية، لوضوح النصوص الدستورية لمن يجيد القراءة، لأن اللجنة العليا للانتخابات لجنة قضائية أيضاً وليست إدارية فقط.

وتبدو الصورة الجزائرية مختلفة نسبياً عن الصورة في مصر، حيث تم فتح باب الترشح قبل أسبوع في ظل استقرار سياسي، بل وتقدم الرئيس الجزائري بوتفليقة بأوراق الترشح بنفسه، رغم حالته الصحية المثيرة للجدل، ورغم حالة الاعتراض لقطاع من الجزائريين المعارضين في الشارع..

فيما تبدو الغالبية الشعبية كما يرى المراقبون، مع ترشح الرئيس لولاية رابعة، باعتباره ما زال مستقراً في أذهان الجزائريين أنه الذي أنقذ البلاد من الحرب الأهلية، وحقق الوئام الوطني بعد تصفية إرهاب "العشرية السوداء" أو الحمراء على السواء!

وستجري الانتخابات الجزائرية بين الرئيس الحالي بوتفليقة وستة من المرشحين أبرزهم رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، بينما لم تتضح الصورة بعد في مصر عن المرشحين المنافسين للسيسي، عدا رئيس التيار الشعبي حمدين صباحي الذي تبدو فرصه ضعيفة بسبب الشعبية الجارفة للسيسي، باعتباره من خلص البلاد من حكم ظلامي جاهل استجابة لأمر الشعب، والأقدر بما له من خلفية عسكرية ورصيد معلوماتي، على حماية أمن البلاد في الداخل والخارج، والإبحار بسفينة الوطن وسط الأمواج العاتية خروجاً من المضيق الصعب.

وبينما تتقاطع الصور في المشهدين المصري والجزائري خصوصاً، حول الدور الوطني للجيشين في مواجهة الإرهاب التكفيري، ويتواصل الجدل بين المؤيدين والمعارضين للمرشحين وقوانين الانتخاب، تتقاطع الصور أيضاً في المشهدين السوري والعراقي، في ظل مواجهة حقيقية بين نظام حاكم ومعارضة سياسية ضحيته الشعبان..

وتحت نيران حرب حقيقية في مواجهة بين الجيشين السوري والعراقي وجماعات الإرهاب التكفيري، المتمثل في داعش والنصرة في سوريا وفي داعش والقاعدة في العراق، لكنه في البلدين إرهاب قادم من الخارج، بدعم وتسليح وتمويل القوى الدولية والإقليمية الساعية للهيمنة على الشرق العربي، بهدف إسقاط الدولة لبدء مخطط التقسيم الصهيو أميركي للمنطقة العربية!

وحول هذين المشهدين الداميين يبقى السؤال؛ كيف يمكن لانتخابات حقيقية أن تجري بمشاركة حقيقية وبضمانات حقيقية، في ظل الانقسام الوطني والحرب الأهلية والتفجيرات الإرهابية والتدخلات الغربية والإقليمية، وبينما قطاع كبير من الناخبين لاجئون خارج الحدود أو نازحون داخل الوطن، وفي ظل غياب الأمن والأمان بسبب التفجيرات المفخخة والأحزمة الناسفة وشيوع الإرهاب وغياب الكثير من الحقوق الإنسانية؟!

كيف يمكن مجرد الحديث عن الحرية السياسية أو عن الديمقراطية، بينما السيادة الوطنية تحت التهديد الخارجي بأدواته الداخلية؟!