الشعب المصري هو صاحب القرار

ت + ت - الحجم الطبيعي

على مر التاريخ المصري لم تقم ثورة إلا بالجيش والشعب معاً، فإما أن يثور الجيش ويؤيده الشعب، كما حدث في ثورة القائد أحمد عرابي وفي ثورة 23 يوليو بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر.. وإما أن يثور الشعب ويسانده الجيش، مثلما حدث في ثورة 30 يونيو المجيدة التي قدمت للعالم أعظم وأروع ثورة شعبية في التاريخ.

وكما كان الجيش المصري دائماً هو سيف الشعب المصري لحماية إرادته الحرة، وطليعة حركاته لتحقيق أهدافه المشروعة في الاستقلال الوطني والحياة الكريمة والحرية السياسية، والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، ظل الجيش المصري في مواجهة كل الغزاة والمعتدين هو الدرع الحامية للوطن، والحارس الأمين على الأمن الوطني المصري والقومي العربي.

وفي ثورة يونيو الشعبية التي أسقطت الحكم الإخواني، وأفشلت المخطط الصهيو أميركي الشرق أوسطي بأدواته الإخوانية، كان دور الجيش المصري هو العنصر الحاسم في نجاحها، انتصاراً للإرادة الشعبية الشرعية والديمقراطية، واستمراراً لدوره الوطني التاريخي وليس السياسي، بما ينفي مزاعم وصف الثورة بالانقلاب!

ولولا وطنية وشجاعة القائد العام للجيش المصري في مواجهة السلطة الإخوانية الغاشمة، لما أمكن للجيش المصري إنفاذ الإرادة الشعبية المشروعة، اتساقاً مع واجباته الوطنية والدستورية والشرعية.. من هنا استحق المشير عبد الفتاح السيسي أن يستقر في الضمير الشعبي المصري كبطل شعبي، ومن هنا جاءت المطالبة الشعبية له بالترشح لرئاسة الجمهورية.

ذلك أن الغالبية الشعبية تدرك بوعيها الوطني، أن مصر الآن تخوض حرباً حقيقية مع أعداء الوطن في الخارج، وأدواتهم أعداء الشعب والجيش والشرطة في الداخل، بهدف إشاعة الفوضى والاحتراب الأهلي لهدم الدولة واستباحة الوطن، في ظل حرب دعائية ونفسية سوداء، تستهدف الوقيعة بين مكونات الوطن وإشاعة اليأس في نفوس جماهير الشعب، وهو ما لا يصلح في مواجهته إلا قائد وطني ومقاتل شجاع.

وهو ما يعني بوضوح أن ما يواجه مصر من تحديات، يتطلب رئيساً تمرس على الحرب وخبر معاركها، وله أكبر قدر من الإجماع الشعبي، وأكبر قدر من محبة الشعب، وأكبر قدر من حجم الثقة فيه وفي قدراته وأهليته لحمل أمانة المسؤولية الوطنية، وفي أمانته في التعبير عن الأماني الوطنية في الاستقلال الوطني، والأماني الشعبية في التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والحرية السياسية والكرامة الإنسانية...

ومع استجابة المشير السيسي للنداءات الشعبية بتقديم استقالته وإعلان عزمه على الترشح، ومع فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية على أساس دستور لا يعزل ولا يقصي أحداً له الأهلية والشعبية، في ظل قانون للانتخابات ييسر شروط الترشيح ويوفر الضمانات لسلامة عملية انتخابات تنافسية ديمقراطية حقيقية.. بدأت الحملة الانتخابية للمرشحين اللذين أعلنا تقدمهما للانتخابات، ولا يستبعد تقدم آخرين لاحقاً.. والشعب هو الذي سيقرر من هو الرئيس.

وهنا يلزم التأكيد على بعض الملاحظات لوضعها في الاعتبار..

أولاً؛ أن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، ولكنها الوسيلة السلمية الممكنة، إلى جانب وسائل أخرى كالاستفتاءات، لاستطلاع رأي الشعب في اختيار حكامه ونوابه، بطريقة يقبلها العالم الحديث باعتبارها عملية الاختيار الشعبي بالآلية الديمقراطية.

ثانياً؛ أن الديمقراطية أيضاً ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي الفكرية والآلية لتحقيق المشاركة الشعبية في العملية السياسية، والممارسة العملية لقيم الحرية السياسية، بما يؤكد السيادة الشعبية على الخيارات والقرارات الوطنية للسلطتين التنفيذية والتشريعية.

ثالثاً؛ إن القيم والقواعد التي تسبق الآلية الإجرائية في الديمقراطية، تقوم أساساً على سلامة الدستور التوافقي الوطني، وسيادة القانون الانتخابي العادل بما تقبله الغالبية الشعبية، وإطلاق الحريات الفكرية والسياسية في التعبير والترشح والتصويت، بضوابط المسؤوليات القانونية والوطنية.

رابعاً؛ ليس ديمقراطياً إقصاء تيار أو حزب شرعي عن المشاركة السياسية، إلا بانعزاله اعتراضاً أو بعزله قضاءً، وليس دستورياً منع مواطن له أهلية الترشح قانوناً، سواء كان ذا خلفية مدنية أو عسكرية، أو على أساس التمييز الطائفي أو المذهبي أو العرقي، إلا بمخالفته لشروط وقواعد العملية الانتخابية المعلومة قانوناً لجميع المرشحين بالضرورة.

خامساً؛ إن سلامة العملية الانتخابية هي جوهر سلامة الآلية الديمقراطية، ولذلك يصبح توفير كل ضمانات النزاهة والشفافية والمتابعة لحرية الترشح والتصويت ولسلامة رصد الأصوات وإعلان النتائج النهائية، هي الأساس الذي يمكن الحوار والاختلاف والاجتهاد حوله، بمعقولية سياسية وبمسؤولية وطنية.

سادساً؛ إن القاعدة المستقرة في الديمقراطية، هي أن الأغلبية تحكم والأقلية تعارض في البرلمان، وبكل وسائل المعارضة المشروعة بسيادة القانون وليس خروجا عليه، والفارق كبير بين المعارضة السلمية المشروعة، والاعتراض غير السلمي اللامشروع.

سابعاً؛ ليس معقولاً ولا مقبولاً تحويل التنافس الانتخابي إلى معركة شخصية بين المرشحين، يمزق فيها أنصار كل مرشح ثياب المرشح الآخر باللجوء إلى الوسائل اللاأخلاقية غير المشروعة، بالشائعات والأكاذيب وبشراء الأصوات أو بترهيب الناخبين أو المشرفين على اللجان، بما يفقد الشعب ثقته في العملية الانتخابية.

ثامناً؛ ليس معقولاً ولا مقبولاً السماح بالتمويل الخارجي المشبوه لأي مرشح رئاسي أو برلماني، ولا السماح بمساندة أجهزة الدولة لمرشح على حساب آخر، ولا غياب الحياد الإعلامي بين المرشحين، سواء في أجهزة الإعلام العامة أو الخاصة.

تاسعاً؛ مع وضع كل القوانين المنظمة والقواعد الضامنة لانتخابات سليمة، فلن نتجاهل أن العملية الانتخابية كما يمكن أن تكون حلاً لمشكلة التنافس على السلطة، فإنها مع سلامتها يمكن بفعل فاعل متآمر على سلامة الوطن، تحويلها إلى مشكلة لإثارة الاضطراب والفوضى.

عاشراً؛ رغم توقع كل المحاولات المشبوهة والألاعيب القذرة، كادعاء التزوير تبريراً للفشل، أو ادعاء الفوز قبل إعلان النتائج رسمياً، تبقى قوة المشاركة الشعبية في العملية الانتخابية، تجاوزاً للمؤامرات الخارجية بأدواتها الإرهابية وقنواتها الدعائية، هي الضمانة الأكبر للسلامة الوطنية، وتبقى مشكلات الديمقراطية أقل سوءاً من نتائج الديكتاتورية.

وأخيراً، سيبقى تحالف الشعب مع الجيش، بحراسة الشرطة وبعدالة القضاء، حتى في غياب إعلام رشيد، هو الضمان الحقيقي للتعبير عن الإرادة الشعبية الوطنية.

 

Email