مصر وأخواتها وليس أميركا وأدواتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظل تراجع واضح للنفوذ الأميركي في العالم، ولخطط التوسع شرقاً وجنوباً للحلف الأطلسي، سواء على الجبهة الروسية وبالتحديد في أوكرانيا شرقاً، وبعد الفشل الغربي الواضح لخطة الربيع الصهيو أميركية الشرق أوسطية جنوباً، ماتزال المؤامرات البائسة، والمحاولات اليائسة مستمرة لتغيير المعادلات الجديدة عبر أدوات إقليمية وداخلية بخطط بديلة محكوم عليها بالفشل.

ورغم كل الوضوح في وقائع ومكونات المشهد الثوري المصري بكل شعبيته ومشروعيته، أوقعت الإدارة الأميركية نفسها وأتباعها من الحكومات الأوروبية وحلفائها الإقليميين في مأزق سياسي وأخلاقي خانق بانقلابها في المسألة المصرية على شعاراتها الأخلاقية المزعومة ومواقفها السياسية المأزومة..

حينما زعمت أنها بمبادئها راعية الديمقراطية وحقوق وحريات الشعوب وداعية الحرب على الإرهاب بالأمس، فإذا هي بمصالحها تكشف نفسها اليوم كمناهضة للديمقراطية ومناقضة لحقوق وحريات الشعوب وراعية للإرهاب فخسرت بحساباتها البراغماتية الخاطئة مبادئها ومصالحها معاً! وفيما تتضح لكل ذي عينين أبعاد المؤامرة الدولية الغربية على مصر العربية باعتبارها الجائزة الكبرى للمتآمرين الصهيو أميركيين عبر أدواتهم الإخوانية والتكفيرية الإسلاموية، وآلتهم الدعائية السوداء..

ومنظماتهم وحركاتهم المدنية التي تتخفى وراء لافتات ليبرالية أو ثوروية أو حقوقية، تطبيقاً للفوضى الهدامة في مصر والدول العربية. تتأكد شعبية وشرعية ثورة 30 يونيو المصرية التي أفشلت المشروع الصهيو أميركي في الشرق الأوسط،..

بينما تتآكل دعاوى الشعبية والشرعية الإخوانية التي روجتها أجهزة الدعاية الغربية والناطقة بالعربية، مع انكشاف الوجه الإرهابي للجماعة وأشياعها التكفيريين في التظاهرات المسلحة العنيفة التي تبعثرت بعدما قتلت وأحرقت وخربت ترهيباً للإرادة الشعبية وتحدياً لسيادة القانون! وفيما تحاول السفينة المصرية المحروسة بدعم إماراتي وسعودي اقتصادي وسياسي على مدى الشهور العشرة الماضية، العبور من بحر الثورة بكل أمواجه المتلاطمة، إلى بر الدولة بكل مسؤولياته..

فقد باتت اليوم في مواجهة تحديات جديدة تطبيقاً لنظرية شد الأطراف، تارة بتأزيم ملف مياه النيل عبر إثيوبيا، وأخرى بمحاولة افتعال فتنة عرقية في حدودها الجنوبية، وتهديدات إرهابية على الحدود الغربية بعد انحسارها على حدودها الشرقية في سيناء! ولهذا كله، تبدو مصر وهي على مشارف الاستحقاق الرئاسي، بحاجة إلى قيادة وطنية قادرة ومخلصة تعبر بسفينة الوطن من بحر الظلمات إلى شواطئ النور..

وتعبر عن آمال وتطلعات الشعب القائد لهذه الثورة، وصولاً إلى وطن مستقل يملك خياره وقراره. ربما لن يكون بمقدورنا اليوم الإجابة عن الأسئلة بالغة التعقيد للحظة الراهنة التي تطرحها التحديات الصعبة التي تواجه المنطقة العربية والإسلامية، خصوصاً في بؤرها المشتعلة ودولها المتفجرة، ما لم نعد قراءة التاريخ لنعرف المقدمات ونستخلص النتائج، والاستراتيجيات الغربية الجديدة عموماً والصهيو أميركية خصوصاً لنعرف أهدافها ودواعيها، فبعد الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية التي فتحت الطريق للاستعمار الغربي إلى احتلال الوطن العربي..

وتقسيمه بين مناطق النفوذ الاستعماري الإنجليزي والفرنسي ضمن «سايكس بيكو الأولى»، وزرع إسرائيل في قلب الوطن العربي المقسم على حساب شعب فلسطين، ومع نشأة الاستعمار الأميركي الجديد في الشرق، أعيدت صياغة المخططات الجديدة التي تستهدف إعادة وضع المنطقة ضمن مناطق النفوذ الجديدة لهذا الاستعمار الجديد ضمن «سايكس بيكو الثانية» لإعادة رسم خريطة المنطقة لتقسيم ما سبق تقسيمه من جديد.

ذلك أن من يسيطر على هذه المنطقة المسماة بـ«الشرق الأوسط» يسيطر على العالم، لأهميتها الاستراتيجية بموقعها في قلب العالم، والزاخرة بالثروات الطبيعية وأهمها البترول والغاز.

وبطبيعة الحال لجأ الاستعمار الجديد لخطط جديدة لتنفيذ أهدافه الجديدة تقوم على محورين الأول، بنظرية صهيونية صاغها دافيد بن غوريون هي نظرية «شد الأطراف» التي تعتمد على ما يسمى بـ«حلف المحيط»، أي بالتحالف مع دول تحت النفوذ الأميركي وتحيط بالوطن العربي وتسيطر على منابع أنهاره، كتركيا الأطلسية وإيران شمالاً، وإثيوبيا وأوغندا جنوباً، وتعمل على شد أطرافه على حدوده الشرقية والشمالية والجنوبية والغربية!

والثاني، نظرية صهيو أميركية فتنوية تقوم على تفجير الاختلافات والتناقضات الطائفية والمذهبية والعرقية والثقافية والمناطقية داخل كل دولة على حدة، بإشعال الحروب الأهلية لتفكيك مكوناتها السكانية والجغرافية لعزل مناطق الثروة فيها ومصادر المياه، وفق نظرية «الفوضى الهدامة» بما يحقق إعادة تقسيمها.

وهو ما تم تنفيذه في أعقاب حرب أكتوبر عام 1973 بما يشبه الهجوم المضاد لانتصار العرب على إسرائيل بتفجير الحرب الأهلية في لبنان على أسس طائفية ومذهبية، ثم بلبننة العراق وعرقنة سوريا بإضافة المفجرات العرقية والمناطقية، وهو ما نشهده على مدى السنوات الثلاث الأخيرة باسم الربيع العربي.

 

Email