عام الانتخابات العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجري هذا العام سبع انتخابات عربية بين تشريعية ورئاسية، فقد جرت في هذا الشهر انتخابات الرئاسة الجزائرية، وبدأت في الشهر نفسه عملية الانتخابات الرئاسية اللبنانية، وفي نهاية هذا الشهر كذلك تجري الانتخابات التشريعية العراقية، وبعدها الانتخابات الرئاسية المصرية في الشهر المقبل، ثم الانتخابات الرئاسية السورية، فالانتخابات الرئاسية الموريتانية، ومن المتوقع أن تجري الانتخابات الليبية هذا العام..

ولا شك أن المراقب يصاب بالدهشة من تعدد هذه الانتخابات، والإصرار على إجرائها في أوقاتها القانونية، مما يوحي بأن الديمقراطية العربية بألف خير، وأن ما يقال غير ذلك هو في نظر السلطات مؤامرة أجنبية، وأكاذيب ودعايات استعمارية يرددها الإعلام المعادي.

لكن المراقبين أنفسهم يعرفون أن معظم هذه الانتخابات بعيد نسبياً عن الديمقراطية، سواء بسبب رفض السلطات القائمة لإجراء حوار معمق بين المرشحين قبل الانتخابات، أو بسبب تقييد حرية التعبير وتداول المعلومات، أو لعدم الالتزام بحماية الناخب أثناء عملية الانتخاب وبعدها وضمان عدم محاسبته على اختياره، أو للبعد عن تزوير إرادة الناخب، ولعدم منع السلطات المتعددة (الحكومية والأمنية وغيرها) من ألا تتدخل، كي تكون الانتخابات معبٌراً حقيقياً عن رأي الناخبين.

وفي الواقع لا تحقق الانتخابات العربية بشكل أو آخر، جزئياً أو كلياً، بعضاً من الديمقراطية، ولا تلتزم بقوانينها وتقاليدها، باستثناء محافظتها على موعد الانتخاب، استجابة لرغبة الحاكم واستعجاله لإجراء الانتخابات ليترأس مرحلة جديدة وولاية جديدة.

يمكن للناخب العربي أن يعرف مسبقاً وقبل إجراء الانتخاب، اسم الرئيس الذي سينجح فيها، ولم يحصل مرة واحدة أن فوجئ هذا الناخب بالنتائج (اللهم إلا مع الاستثناء الجزئي للانتخابات الرئاسية اللبنانية)..

للرؤساء المنتخبين حق التشريع، وقد تغولت سلطتهم على صلاحيات المجالس التشريعية، كما أنهم يديرون السلطة التنفيذية ويأمرونها، ولا يسلم القضاء من أوامرهم ومطالبته بتنفيذ رغباتهم. وهكذا فرغم أن الانتخابات الرئاسية العربية هي من أكثر الانتخابات في العالم التي تمنح الصلاحيات للرؤساء، فإن السلطات العربية تتعامل معها بخفة ولا مسؤولية، لأنها تدرك أن أصوات الناخبين لا معنى لها، ومهمتها الأساس هي تحقيق الشكليات الانتخابية، وإعطاء المبرر للرؤساء ليهيمنوا على كل شيء.

يعرف المراقبون أن صلاحية التشريع في معظم البلدان العربية ليست في يد المجالس التشريعية، فقد تحولت مهمة هذه المجالس إلى التصديق على رغبات السلطة، مهما كانت مخالفة للدستور ولمصالح الناس، لأن صلاحية التشريع تقع في أيدي الرؤساء، الذين وسّع بعضهم صلاحياته حتى أعطى لنفسه حق إصدار تشريع أثناء انعقاد المجلس التشريعي، وبمعزل عنه وبغير استشارته.

والصلاحية قبل ذلك في يد السلطة بمعناها الشامل، أعني السلطة الأمنية في بعض البلدان، والقيادة العسكرية في بعضها الآخر، والقيادة الحزبية في بعضها الثالث، وكلها مجتمعة في أغلب الأحيان. وقد يذهب حق التشريع فعلياً للسلطات الطائفية أو الإثنية أو العشائرية، وما أكثر الأمثلة في البلدان العربية...

قبل أربع سنوات جرت انتخابات في العراق، فازت فيها قائمة "العراقية" بأكثرية النواب. وحسب التقاليد الديمقراطية، كان من المفترض أن يُكلف رئيس القائمة بتشكيل الحكومة العراقية (خاصة وأن النظام في العراق اسمياً هو نظام برلماني)، لكن الذي حصل هو أن تشكيل هذه الحكومة، كُلف به رئيس قائمة أخرى حصلت على عدد نواب أقل، وذلك تحت ضغوط طائفية من داخل العراق ومن خارجه. وبالتالي لم يحترم أحد نتائج العملية الانتخابية في بلد ضحى بحياة مئات الألوف، واحتله الجيش الأميركي "ليطبق الديمقراطية".

من مشكلات البلدان العربية التي تشوه الديمقراطية وصولاً لإلغائها، أن الصلاحيات لا تعطى لأصحابها. وبالتالي فالانتخابات تتم لاختيار من لا صلاحية لهم، إذا كانت انتخابات تشريعية. أما انتخابات الرؤساء فلا دخل للمشاركة الانتخابية الشعبية بها في الواقع، إذ إن نتائجها مقررة مسبقاً، وما إجراؤها إلا تبرير وتحصيل حاصل، وممارسات شكلية تستوفي بها السلطة مظاهر الديمقراطية.

ولذلك نجد في بعض البلدان أن نسبة المشاركين في الانتخابات الرئاسية، تتجاوز الثمانين في المائة، في بلد متخلف من المستحيل أن يهتم معظم أبنائه بهذه الانتخابات، كما تتجاوز نسبة منتخبي الرئيس 80% أيضاً، وهذه النسبة يتعذر تحقيقها في أي بلد في العالم، خاصة إذا كان متعدد الثقافات والقوميات والأديان والمذاهب، ويفتقر للحرية والديمقراطية وتكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين.

وهكذا فكأن الناخبين يصوتون على إلغاء معايير الدولة الحديثة، كما يؤيدون من دون تحفظ، القمع والاستبداد والنظام الشمولي، التي توصل إلى مثل هذه الانتخابات، وينتج عنها بالتالي وبالضرورة، الفساد والمحاباة والتخلف وطغيان سلطة أجهزة الأمن، التي تكتم أصوات الناس وتنفسهم. وكأن شعوبنا في نهاية المطاف، تصوت في الانتخابات على خنق حريتها واستمرار تخلفها وتهميشها، وعلى استهانة السلطة بحقوق المواطنة، وبالتقاليد الديمقراطية التي لا يمكن تطوير المجتمع وتحديثه من دونها.

إن عام الانتخابات العربية (التشريعية والرئاسية) الحالي، ما هو إلا عبث وملهاة للجماهير الشعبية، وخداع للرأي العام الداخلي والخارجي، ومحاولة بائسة لإقناع الآخر بأن أنظمتنا العتيدة هي أنظمة ديمقراطية، وأن برلماناتنا ورؤساءنا جاؤوا للسلطة ديمقراطياً، وأنه لا ينقصنا من الديمقراطية شيء.

وعليه فإن لغو بعض أطراف المعارضة، ومزاعم بعض وسائل الإعلام العربية والصحافة العالمية، ما هي إلا مؤامرة أو تنفيذ لرغبات أجنبية. لأن أخبارها كاذبة وتعليقاتها مسمومة، أو أنها لم تفهم معنى الديمقراطية الشعبية، التي تمارسها الأنظمة الشمولية في معظم البلدان العربية.

 

Email