بحلول عام 2030، من المتوقع أن ينمو عدد سكان أبوظبي إلى حوالي ثلاثة أضعاف ما هو عليه اليوم. وهذا يعني أنه إذا استمر الحال على ما هو عليه من دون أي تدخل، فستزيد معدلات انبعاثات غازات الدفيئة والملوثات الهوائية واستهلاك الموارد الطبيعية، مثل المياه، وستتضاعف كمية النفايات التي سنخلفها بمقدار ثلاثة أضعاف.
هذا السيناريو ستكون له عواقب سلبية وخيمة على كل من البيئة وصحة الإنسان، وسيؤثر في النهاية بشكل سلبي على الاقتصاد.
ما نحتاجه اليوم هو العمل على «فك الارتباط» بين النمو الاقتصادي والسكاني من جهة، وتزايد الانبعاثات واستهلاك الموارد الطبيعية وإنتاج النفايات من جهة ثانية. ويعرّف «فك الارتباط» بأنه عملية تحقيق معدل إنتاجية الموارد (تحقيق المزيد بتكلفة أقل)، بطريقة تفوق معدل النمو الاقتصادي.
لقد أشرفت هيئة البيئة - أبوظبي، بالنيابة عن حكومة أبوظبي، على إصدار النسخة المطورة من الرؤية البيئية لإمارة أبوظبي 2030، بالتعاون الوثيق مع العديد من الجهات الحكومية وغير الحكومية.
تحدد هذه الرؤية إطار عمل السياسة البيئية، والتي ستمكننا من البدء في فصل النمو الاقتصادي والسكاني عن الآثار البيئية الناجمة عن هذا النمو، كما أن نمط التفكير نفسه يتم على المستوى الاتحادي، من خلال الاستراتيجية الوطنية للنمو الأخضر.
يعتمد نجاحنا في الوصول إلى «فك الارتباط» على التخطيط المبكر، والعمل على إيجاد حلول للمشاكل البيئية المتوقّعة قبل حدوثها، في إطار تحقيق رؤية أبوظبي البيئية 2030، التي تركز على وضع السيناريوهات المستقبلية وخطط العمل اللازمة لمعالجة القضايا البيئية ذات الأولوية.
واعتمدت حكومة أبوظبي العديد من المبادرات لتحقيق هدف «فك الارتباط» بين النمو الاقتصادي وزيادة استهلاك الموارد الطبيعية.
من بين هذه المبادرات مشروع خفض انبعاثات الكربون في عمليات التبريد والتكييف في الإمارة؛ إذ يعمل جهاز الشؤون التنفيذية في أبوظبي على تطوير خطة شاملة لأنظمة التبريد، يتوقع أن تساعد على خفض استهلاك الطاقة في المباني بنسبة 30%.
وإذا تم تبني المشروع بشكل كامل وبالسيناريو المأمول، فإن الإمكانات التقنية لتوفير الطاقة ستمثّـل 13% من إجمالي استهلاك أبوظبي من الطاقة. وخلال عشر سنوات (2016-2025)، يمكن أن يصل إجمالي الوفر في مجال التبريد إلى ما قيمته 21,8 مليار دولار أميركي، منها 16,4 مليار دولار وفر على الحكومة والباقي للمستهلكين.
علاوة على ذلك، ستؤدي هذه المبادرة إلى خفض حوالي 8,9 ملايين طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، وستقلل كذلك من انبعاثات الملوثات الهوائية، التي تسبب العديد من المشكلات الصحية وفي مقدمتها أمراض الجهاز التنفسي.
ومن المشاريع الأخرى المعلن عنها حديثاً، مشروع «النظام الإماراتي لمنتجات الإضاءة والرقابة عليها». فقد أظهرت الدراسة أن استخدام معدات الإضاءة الموفرة للطاقة في دولة الإمارات، من شأنه أن يحقق المرتبة الثانية في توفير الطاقة، بعد الطاقة المستخدمة في عمليات التبريد والتكييف.
وتتم الآن معالجة موضوع التبريد بالفعل، من خلال مشروعات أخرى في أبوظبي وعلى المستوى الاتحادي.
إن استبدال المصابيح الكهربائية الداخلية غير الكفء وتطبيق النظام الإماراتي لمنتجات الإضاءة، سيقللان من استهلاك الدولة للطاقة بما يعادل 340-500 ميغاوات سنوياً.
من الناحية النظرية، يعادل هذا الوفر القدرة على غلق محطة توليد كهرباء متوسطة تدار بالغاز، لمدة ستة أشهر في السنة. كما سيؤدي هذا الانخفاض في استهلاك الكهرباء إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، التي تساهم في تغير المناخ العالمي.
وضمن مبادرة تحمل اسم «أبوظبي لوقود الطائرات الحيوي: رحلتنا نحو الاستدامة»، تعمل كل من «الاتحاد للطيران» وشركة «بوينغ» لصناعة الطائرات ومعهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا، على مبادرة جديدة تهدف إلى دعم صناعة الوقود الحيوي المستدام للطائرات في الدولة.
وقد تم بالفعل إنتاج وقود للطائرات من الكيروسين الحيوي في دولة الإمارات، عن طريق تقنية مبتكرة لمعالجة الكتلة الحيوية النباتية المبتكرة، لتنضم الدولة بذلك إلى عدد قليل من الدول التي تقوم بإنتاج وقود الكيروسين الحيوي. وتهدف هذه المبادرات إلى دعم تطوير وتسويق وقود الطائرات الحيوي المستدام في أبوظبي، والمنطقة وحول العالم.
وكذلك تعتمد بلدية أبوظبي عدداً من الممارسات التي تساهم في تحقيق الاستدامة، عبر التقليل من استهلاك المصادر الطبيعية والمواد الخام، ومن بينها إعادة تدوير المواد الإسفلتية، واستخدام مواد بلاستيكية معينة في بناء الطرق، تساعد على زيادة عمرها الافتراضي وتقلل من سماكة طبقات الرصف، ما يساهم في تقليل التكلفة.
وقد وفرت البلدية نحو 100 مليون درهم من خلال استخدام هذه المواد.
العلاقة بين النمو الاقتصادي «الجيد» وآثاره البيئية «السيئة»، ليست علاقة حتمية مفروضة علينا، بل هي تحدٍ لنا لنبتكر الحلول المناسبة من أجل ضمان استدامة مواردنا وبيئتنا. وكل هذه المشاريع وغيرها التي تسهم في «فك الارتباط» بين استخدام الموارد الطبيعية والأثر البيئي، وبين النمو الاقتصادي، تدفعنا الى الأمام بثقة أكبر، لتنفيذ الرؤية البيئية لإمارة أبوظبي 2030، واستراتيجية النمو الأخضر في إمارة أبوظبي وعلى المستوى الاتحادي.