تحقق الانتخابات مشاركة المواطن في تقرير مصير شعبه وتنظيم دولته واختيار ممثليه، خاصة وأن المشاركة والمساواة هما من الأُسس الرئيسية التي لا غنى عنها للوصول إلى المواطنة. في ضوء ذلك يقوم معظم الأنظمة السياسية.

بما فيها الأنظمة الشمولية بل وحتى الدكتاتورية، بإجراء انتخابات لتقول إنها حريصة على تحقيق مستلزمات المواطنة وشروط الديمقراطية وتؤسس شرعية حكمها، وأحياناً كثيرة لا تكون هذه الانتخابات نزيهة وجدية، لكن الأنظمة السياسية تتاجر بها لتهرب من اتهامها بأنها غير ديمقراطية.

كي تكون الانتخابات نزيهة وصحيحة ينبغي تحقيق جملة من الشروط وخلق المناخ المناسب قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها.

وهذه الشروط، رغم بداهتها وبساطتها، من الصعب الاقتناع بأن الانتخابات جادة وصحيحة بدونها، من المفروض أن يؤمن القائم على الانتخابات مناخاً مناسباً ليطلع الناخب على برامج المرشحين ويتعرف على حياتهم وممارساتهم السياسية وغير السياسية، بما يساعده على حسن اختيار المرشح الذي يتناسب مع أهدافه ورغباته.

وفي الوقت نفسه ينبغي أن تقوم أجهزة الاتصال والإعلام بدورها الهام لإطلاع المواطن على آراء مرشحيه وبرامجهم، وأن يتاح للمرشحين إيصال وجهات نظرهم إلى الناخب، وهذا يقتضي من وسائل الإعلام أن تكون حيادية وتقوم بدور وطني صرف، دون تبني توجه سياسي بعينه لأي مرشح، لئلا تساهم في خداع المواطن والتلاعب بعقله وتزوير رأيه.

وبهذه المناسبة فإن على وسائل الإعلام المملوكة للدولة، أن تفتح أبوابها للمرشحين لعرض وجهات نظرهم، وللمواطنين لإبداء رأيهم، وفي الوقت نفسه على السلطة التنفيذية وأجهزتها أن تكون حيادية تجاه جميع المرشحين، وتهيئ لهم المناخ المناسب للتواصل والحوار مع ناخبيهم.

وينبغي التشديد على لجان الانتخاب لالتزام الحيادية والعمل على تطبيق الأنظمة والقوانين، والسماح لممثلي المرشحين والصحافة ووسائل الإعلام والمجتمع المدني بالمشاركة في الرقابة ومعرفة مدى تطبيق النظام، وسير عملية فرز الأصوات وصولاً للنتائج.

أما بعد الانتخابات، فمن المفروض أن تشارك الصحافة ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، في مراقبة مدى تطبيق المرشحين الفائزين لبرامجهم الانتخابية والتزامهم بها، بحيث تكون عملية الانتخاب برمتها عملية ديمقراطية أوجدت مناخا مناسباً لجميع الناخبين، لممارسة حقهم الانتخابي ومحاورة المرشحين ومراقبتهم فيما بعد، وبالتالي استكمال شروط مواطنتهم الهادفة للمشاركة في تقرير مصيرهم وبناء دولتهم وتحقيق طموحاتهم وحفظ كراماتهم.

تقتضي الديمقراطية تحقيق هذه الشروط الموضوعية للانتخابات، وإن لم تتحقق مثل هذه الشروط فمن الخداع إطلاق هذه التسمية على الانتخابات والاطمئنان لنتائجها، واعتبارها اختياراً ديمقراطياً حقيقياً لممثلي الشعب.

والملاحظ أن الأنظمة الشمولية والديكتاتورية لا تطبق أياً من هذه الشروط، ومع ذلك تجري انتخاباتها وترفعها شعاراً مزيفاً لشرعيتها، وتؤكد أن هذه الانتخابات تمثل شعبها خير تمثيل، وهي في واقع الحال تقوم غالباً بمنع المعارضين من الترشح والتهديد السري والعلني، وإذا سمحت لهم بالترشح تمنعهم من التواصل مع الناخبين.

ومن شرح برامجهم، كما تمتنع وسائل إعلام الدولة بمختلف أشكالها عن الإشارة إلى برامج المرشحين غير الرسميين باعتبارها برامج للمعارضين، وبالتالي لا يصل إلى الناخب أي برنامج معارض بل حتى أحياناً أي اسم لمرشح معارض، ويطرح النظام على الناخبين قائمة لها تسمية وطنية كبرى مثل (مرشحو الجبهة الوطنية) و(مرشحو الوحدة الوطنية) و(مرشحو العمال والفلاحين) أو ما أشبه ذلك.

وتقوم أجهزة الأمن والأجهزة التنفيذية الأخرى بدور الدعاية والضغوط لاختيار هذه القوائم التي رشحتها الأنظمة، ويُمنع، أثناء الانتخاب، على المراقبين، سواءً منهم ممثلي المرشحين أم ممثلي وسائل الإعلام أم منظمات المجتمع المدني، المشاركة في مراقبة الصناديق ومراقبة فرزها وإعلان النتائج.

ولذلك يحصل مرشحو النظام على نسب أسطورية من أصوات الناخبين تتجاوز الـ 90% في معظم الحالات وهذا لايتوفر موضوعياً بأي بلد ديمقراطي، وتعلن هذه الأنظمة أن نسبة الناخبين تجاوزت الـ 70 أو80% من عددهم المسجل مع أن معظمهم لم ينتخب، وهذه النسبة هي بدورها شبه مستحيلة.

وبعد الانتخابات يمارس الرؤساء الناجحون في حال الانتخابات الرئاسية، كامل الصلاحيات وبعضها فوق الدستور ومخالفاً للدستور، وإذا احتج أحدهم من داخل البلاد يوضع في المعتقل، وإذا كان الناقد من خارج البلاد يُرد عليه بأن الشعب انتخب الرئيس بأكثرية مطلقة ولديه تفويض من شعبه.

أما النواب الناجحون، إذا كانت الانتخابات نيابية أو تشريعية، فهم قد عُينوا في الواقع ولم يُنتخبوا فليس لهم شأن ولا صلاحيات، وتقتصر مهمتهم على تزيين صورة النظام والتصفيق له انتظاراً للانتخابات التالية.

مثلما تحاول جماعات الإسلام السياسي تبرير وجودها ونشاطها وأهدافها بالشعارات الدينية، كذلك تفعل الأنظمة الشمولية فتجيب على أي تساؤل وترد على أي معترض بأن شرعيتها مستمدة من الانتخابات، ومن تفويض الأغلبية الساحقة من الناخبين لها، مما يؤهلها لقيادة الأمة .