بإعلان اللجنة القضائية العليا النتائج النهاية للانتخابات الرئاسية المصرية، بالفوز الكاسح للمشير عبد الفتاح السيسي بما يزيد على تسعين في المائة من أصوات المصريين المشاركين، محققاً فوزاً حاسماً لا شبهة فيه بشهادة المراقبين المصريين والعرب والأفارقة والأوروبيين، وبالشهادة الكبرى للشعب المصري ذاته..

وبهذا النصر لمصر قبل أن يكون للمشير السيسي، الذي يستقر في ضمير الشعب المصري كرمز وطني مضيء لثورة 30 يونيو الشعبية، وبهذا الفوز للعرب والمسلمين الحقيقيين مثلما هو للمصريين الوطنيين الطيبين، بقرار قضائي لا مجال للمزايدة أو المناقصة فيه ولا للنقض أو الطعن عليه مهما زعم المشككون الموتورون، تدخل مصر الجديدة إلى مرحلة جديدة من العمل الوطني المنتج والأمل الشعبي المثمر.

خصوصاً بعدما صاغت إرادتها الشعبية الحرة، دستوراً ديمقراطياً متوازناً يترجم أهداف ثورتي يناير ويونيو حينما يحمي الحقوق والحريات السياسية والإنسانية، ويضمن تحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، ويحقق التوازن والتعاون بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومشاركة القوى السياسية ذات المشروعية الوطنية، ويعلي سيادة القانون بما يحقق العدل والمساواة، ولا يتيح مجالاً لاستبداد أو فساد.

وبينما يواصل الشعب العربي في مصر مساره الجديد في الطريق إلى المستقبل الواعد بكل خير، متطلعاً إلى استكمال الخريطة بتنظيم الانتخابات البرلمانية والمحلية خلال الشهور المقبلة، في ظل انحسار العصابات الإرهابية والمراهقة السياسية وشهود الزور على الإسلام والثورة، رغم حالة الهستيريا الدعائية المضادة والحرب النفسية والاقتصادية والسياسية المعاكسة لإرادة الشعب ولسلامة الوطن..

نحمد الله على عودة الوعي الشعبي التي أضاءت الطريق الصحيح إلى أهدافه العليا، بعد أن غابت لعام واحد في ظل الحكم الإخواني الظلامي الذي أسقط نفسه بنفسه، بغبائه السياسي وبجهالته الدينية، فانحرف بالثورة عن أهدافها، وانحرف بالدين عن قيمه ومثله العليا، وأدخل الوطنية المصرية في نفق مظلم بدعوات مذهبية حزبية ضيقة، ما فجر الغضب الشعبي والوطني، ليستعيد الشعب إرادته ويعيد اكتشاف ذاته من جديد.

فرب ضارة نافعة، ولعلها دلالة لا تغيب أن يأتي تتويج انتصار إرادة جماهير 30 يونيو على الحكم الإخواني، في الخامس من يونيو..

وهنا نقول، لولا نكسة يونيو العسكرية عام 67 ما كان انتصار أكتوبر العسكري عام 73، ولولا الانتكاسة الإخوانية بثورة يناير عام 2011 ما كان انتصار الإرادة الشعبية الوطنية بثورة يونيو عام 2013.. هكذا نثق دائماً أنه بعد كل هزيمة نعبر إلى النصر، وبعد كل ليل نعبر إلى الصبح.

ولهذا أتساءل، هل هي مجرد مصادفة تاريخية أن يأتي إعلان انتصار الإرادة الشعبية المصرية بالعبور الثالث، تأسيساً للشرعية الجديدة عبوراً من الليل إلى الفجر، في يوم الخامس من يونيو بالذات، الذي حاول بعض اليائسين البائسين بغرض ومرض خبيث تكريسه كيوم هزيمة، فتحول الآن رغماً عنهم إلى يوم انتصار؟

لا أظن، بل هي إشارة وبشارة بأنه لا بديل عن الانتصار في النهاية، حيث لا يصح إلا الصحيح، وبأن الشعب المصري والعربي بكل تجاربه التاريخية وقيمه السماوية ومخزونه الحضاري، قادر في كل مراحل عمله الوطني على أن يراجع ولا يتراجع بعد كل خطأ أو غياب وعي، وأن يستعيد ذاته ويفرض إرادته بعد كل خديعة أو هزيمة، وعلى عبور الليل مهما طال وصولاً إلى الفجر، وعبور الهزيمة مهما بلغت وصولاً إلى النصر.

لقد أثبت الشعب المصري والعربي في مواجهة كل عدوان أو احتلال خارجي، أنه غير قابل للهزيمة وغير قادر على الاستسلام مهما بلغ جبروت القوة المعادية لوطنه أو إرادته، وقد تسقط قطعة من أرضه لكنه أبداً لا تسقط قطعة من إرادته، وقد يخسر معركه لكنه في النهاية يصمم على كسب الحرب مهما كانت التضحيات..

بتعبير الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر قائد ثورة الثالث والعشرين من يوليو الأم عام 1952.. وفي مواجهة كل استبداد أو فساد داخلي، أثبت أنه قد يصبر قليلاً لكنه في النهاية لا ينام عن حقه في العدالة والحرية والكرامة، وقد ينخدع لفترة تطول أو تقصر لكنه سرعان ما يستعيد وعيه الغائب ويكتشف من هم أعداؤه ومن هم أشقاؤه ومن هم أصدقاؤه، وينتفض لاستعادة ذاته وفرض إرادته برعاية ربه وبدعم جيشه.

وعلى مدى الأسبوع الماضي تابعنا مشاهد شعبية مثيرة وعشنا أياماً وطنية منيرة، لا نبالغ إذا قلنا إنها من أكثر الأيام إثارة وإنارة، في يونيو، سواء في الخلفية التاريخية أو في الحقبة الأخيرة في حياة أمتنا، بكل مشاهدها المثيرة والمنيرة، وبكل ذكرياتها الأليمة والمريرة! لكن الأمم الحية والواعية هي التي تحفظ في ذاكرتها لكل الأجيال كل صفحات التاريخ، بمعاركها الناجحة والفاشلة، وبمآزقها ومخارجها، وبتجاربها الحلوة والمرة، لتتعلم من دروس الهزائم أكثر مما تتعلم من دروس النصر.

وحينما صممت أمتنا على تحدي الهزيمة في يونيو 67، استطاعت تحقيق النصر في أكتوبر 73، تحت علم دولة «اتحاد الجمهوريات العربية»، بوحدة جبهاتها الوطنية ودعم شعوبها لجيوشها العربية، وبما استدعته من دروس من قيمها السماوية الداعية إلى الدفاع عن الحق والعدل والحرية، ومن تجاربها التاريخية الدافعة إلى رفض اليأس والانتصار عليه وتحدي الأمل للوصول إليه.