يعقد الائتلاف الوطني السوري (المعارضة المعترف بها دولياً)، دورة اجتماعات مطلع يوليو المقبل لانتخاب رئيس جديد، بعد أن انتهت مدة ولاية الرئيس الحالي أحمد الجربا، الذي أمضى فيها دورتين متتاليتين، كما سينتخب ثلاثة نواب للرئيس، وأميناً عاماً، وهيئة سياسية للائتلاف. وقد بدأت النقاشات والحوارات بين أعضاء المجلس، منذ أكثر من شهر، حول من سيُنتخب، وأي الفصائل سيمثل المنتخبون.

ويبدو أن معظم أعضاء الائتلاف أمضوا عديداً من الساعات في الحوار والنقاش، كما أمضى معهم بعض حلفائهم، وخاصة من الجهات الداعمة لهم، ومن الواضح أن هناك كتلتين أو تجمعين يتصارعان على الرئاسة، والهيئة السياسية، وأن معظم الأعضاء منشغل بالانتخاب والمناصب.

وعدم الاهتمام بالقضايا الجوهرية الكبرى، وأعني بها تطوير العلاقة بين الائتلاف والشعب السوري في الداخل، وتوحيد فصائل المعارضة المتعددة (والمتناقضة)، والبحث عن حلول للأزمة السورية المستعصية، التي أحرقت الأخضر واليابس، وكلفت الشعب السوري دماءً ودماراً وتخلفاً.

من المفترض أن يبحث الائتلاف في دورته المقبلة، عن سبل إقامة تواصل جدي ومنهجي مع الداخل، وإشادة مؤسسات ومراسلين في المناطق السورية التي يمكن إشادة هذه المؤسسات فيها، والعمل الجاد لعقد صلة مع الفصائل المسلحة، التي أخذت تنغلق على نفسها، وتتصرف وكأن لا علاقة لها بغيرها. ومن الملاحظ أن الصلة تكاد تكون معدومة بين الائتلاف..

والشعب السوري، وبينه وبين الفصائل المسلحة، وبالتالي تزايدت الشكوك حول فاعلية الائتلاف، وحول تمثيله للسوريين. ويفترض أن تكون هموم الائتلاف المتعلقة بوحدة المعارضة كبيرة جداً، وتستحوذ على القسم الأكبر من وقت أعضائه، وحواراتهم، لأنه السبيل الأساس لمواجهة تحديات السلطة وطغيانها، وإثبات فاعلية المعارضة السورية.

ولسوء الحظ أسقط الائتلاف كلياً من اهتماماته ما يتعلق بوحدة المعارضة، وصدق أنه الممثل الوحيد للشعب السوري، واكتفى بأنه مدعوم من بعض الدول، واعتبر أن هذا وحده كفيل بإعطائه الشرعية، ومصادر القوة، وتناسى أن لفصائل المعارضة الأخرى أدواراً لا تقل أهمية وفعالية عن دوره. ورغم مرور أكثر من عام ونصف العام على تأسيسه، لم يضع الائتلاف رؤية لحل الأزمة، واكتفى برفع الشعارات أو برفض بعض المبادرات، وهذا كله لا يحل الأزمة.

وفي ضوء ذلك فإن علاقة الائتلاف بحلفائه من الدول الخارجية غير واضحة، وتثير تساؤلات مقلقة؛ على ماذا يتحالف إذاً؟ ولماذا؟ وما حدود تأثير الحلفاء فيه؟ وهل يكتفي بالمساعدات المالية من الحلفاء والدعم السياسي والعسكري؟

أهمل الائتلاف الاهتمام بالأمور الأساسية التي يفترض أن تساعد على حل الأزمة السورية، واهتم بالقضايا الثانوية الإجرائية المتعلقة بانتخابات رئاسته وهيئته السياسية، حتى إنه من غير الواضح إذا كان المرشحون للرئاسة والهيئة يملكون برامج يمكن أن يتنافسوا عليها، أم أن المنافسات تدور حول صفات المرشحين الشخصية!

ولعل هذا أدى إلى موقف سلبي من الائتلاف لدى الشعب السوري، وخيبة أمل كبيرة جداً لأن لا إمكانية لدى هذا الائتلاف للتأثير في حل الأزمة، ولذلك كثرت الإشاعات والتهم حول شخصانية بعض أعضاء الائتلاف، وسعي البعض الآخر لجمع الأموال أو للمكاسب الخاصة.

ومن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي يلاحظ أن معظم من ينتقدون الائتلاف يشيرون إلى تهم كبيرة جداً، وهذا ما أعطى مبرراً للنظام ولغير النظام للقول، إن المعارضة فاشلة، ولا تشكل بديلاً جدياً للنظام السياسي، كما شجع سلوك الائتلاف هذا كثيرين من المعارضين، وأوهمهم بإمكانية تشكيل تنظيمات معارضة موازية، وعقد مؤتمر تأسيسي، وفتح دكان للعمل السياسي.

بدأت المشكلة لدى المعارضة الخارجية قبيل تشكيل المجلس الوطني، حين بادر بعض الأشخاص إلى عقد مؤتمر توصل في نهايته إلى تأسيس المجلس الوطني السوري، وقد لوحظ أن معظم من جُمعوا في المؤتمر كانوا غير مسيّسين، وبعضهم لم يدخل سوريا منذ عشرات السنين، ولم يكن للأقلية المسيّسة والمناضلة دور جدي في المجلس، لا في وضع برنامجه السياسي..

ولا أسلوب نضاله، وعندما فشل المجلس، وشُكل الائتلاف على عجل في الدوحة، حمل معه أمراض المجلس الوطني، وكان معظم أعضائه الذين يزيدون عن الستين قليلاً، محض هواة، رغم حسن نوايا الجميع في المجلس والائتلاف وإخلاصهم، لكن النوايا الحسنة والإخلاص لا تفيد في مواجهة مثل الأزمة السورية المعقدة والمستعصية.

ولذلك قبل المجلس والائتلاف التحالف مع دول أخرى، من دون وضوح الهدف أو وضوح الشروط، وكان الأمر في الحالتين وكأنه توليفة لتشكيل معارضة سورية تتولى مواجهة النظام، لأن جميع الأطراف كانت تعتقد أن سقوط النظام قاب قوسين أو أدنى، وأن هذه التوليفة تحل مشكلة البديل.

والآن لعل المهمات الأساسية أمام الائتلاف، هي عقد الصلة مع الداخل السياسي والمسلح، وجميع فصائل المعارضة الداخلية والخارجية، ووضع برنامج لحل الأزمة وأسلوب عمل لتحقيق هذا البرنامج، وإيجاد صيغ جديدة للتحالف مع الآخرين غير السوريين، أما الانتخابات والمناصب وغيرها فهي أمور إجرائية، وإن لم يهتم الائتلاف بالقضايا الأساسية فإنه سيصبح عبئاً على الثورة، والدولة، والأمة.