معظم الدلائل تؤكد عودة أفريقيا إلى مصر وعودة مصر إلى أفريقيا، بعد ما جرى من جهود عربية وأفريقية لفك «الالتباس اللغوي» بين الانقلاب والثورة، ولإصلاح «العطل الفني» في خطوط الاتصال السياسي بين القاهرة مقر الجامعة العربية، وأديس أبابا مقر الاتحاد الأفريقي، في قمة الكويت العربية الأفريقية في أكتوبر الماضي، بمشاركة مصر بعد ثورة يونيو الشعبية بوفد عالي المستوى، برئاسة الرئيس السابق المستشار عدلي منصور.
أول المؤشرات عدم تحفظ أية دولة أفريقية على مشاركة مصر في تلك القمة، لكن الغريب أن الوحيد الذي تحفظ كان الرئيس المؤقت لدولة عربية شقيقة، يتحكم في مواقف رئيسها «حزب النهضة» الفرع التونسي لـ«جماعة الإخوان» في مصر. وعلى أية، حال فقد أسقط الشعبان المصري والتونسي تحكمهما، باستعادة الرئاسة من يد الإخوان في مصر، واستعادة الحكومة من يد النهضة في تونس. و
ثانيها، ذلك الحضور الأفريقي الكثيف في القاهرة بوفود رئاسية وعالية المستوى، أبرزها الرئيس تيودور نغوما، رئيس جمهورية غينيا الاستوائية، الدولة المضيفة للقمة الأفريقية العادية الأسبوع المقبل، في حفل تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، العربية والأفريقية والإسلامية أيضاً، بعدما أولاه الشعب ثقته الغالية بنسبة عالية، في انتخابات ديمقراطية سليمة بشهادة البعثات الأفريقية والعربية والأوروبية، في أوضح رسالة مصرية بأن ما حدث في يونيو 2013 هو ثورة شعبية، دعمها الجيش المصري وفاء لدوره الوطني..
وليست انقلاباً عسكرياً في أي قاموس سياسي، كما روج الإخوان وصوّر الأمريكان. فانقلبت الصورة في عيون بعض الإخوة الأفارقة، وفي تأكيد شعبي مصري جديد لرفض إرهاب الإخوان ومن يدعمون إرهاب الإخوان من الأمريكان، لتقسيم «الشرق الأوسط الكبير» لمصلحة إسرائيل على أنقاض الدول العربية والإسلامية.
ثالث المؤشرات هو الدعوة الرسمية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من الرئيس البوركيني بيليز كومباوري، لحضور القمة الأفريقية غير الاستثنائية في واغادوغو في سبتمبر المقبل، لمتابعة إعلان وخطة عمل واغادوغو، لحل مشكلة البطالة ومكافحة الفقر في أفريقيا. وهنا نتذكر أن إعلان قيام «الاتحاد الأفريقي» تم في قمة أفريقية جامعة بمبادرة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في قاعة واغادوغو بمدينة سيرت الليبية!
والرابع هو التصريحات الإيجابية للرئيس الغيني الأسبق ألفا عمر كوناري، رئيس لجنة حكماء أفريقيا المكلفة من الاتحاد الأفريقي بقراءة الصورة المصرية الصحيحة بديلاً عن الصورة الغربية المقلوبة، الذي أشار بوضوح بعد زيارته للقاهرة، إلى أن تقرير لجنة الحكماء جاء صحيحاً وحكيماً، حينما أوصى بإلغاء قرار تعليق مشاركة مصر في أنشطة الاتحاد مؤقتاً حتى تتبين الصورة، مؤكداً أن ما حدث من تغيير تم بثورة شعبية، وليس انقلاباً عسكرياً.
والمؤشر الخامس استقبال الرئيس السيسي للوفد الإثيوبي، برئاسة وزير الخارجية الذي حمل إليه رسالة تهنئة من الرئيس هيلا مريام، متضمنة دعوة رسمية لزيارة أديس أبابا لحل المسائل العالقة حول مشروع سد النهضة، مؤكداً حرص إثيوبيا على العلاقات التاريخية مع مصر، وعدم الإضرار بحقوق شعبها في مياه النيل الذي يربط شعوب حوض النهر بروابط الحياة والمصير، وأكد الوزير أن الزيارة ستتم خلال أسبوعين، ربما قبل القمة المقبلة.
إن أفريقيا كلها تعرف مواقف القاهرة التاريخية جيداً، خصوصاً في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، عندما كانت مقراً لجل حركات التحرر الوطني الأفريقية ضد الاستعمار التي شهدت أول قمة أفريقية عام 1964 بعد رحيل الاستعمار، والتي دعت لأول قمة عربية أفريقية عام 1977 بعد تحقيق الانتصار في حرب أكتوبر 1973، وكانت أفريقيا أقوى الداعمين للعرب بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب.
كما تعرف عاصمة مصر قارتها جيداً، عندما كانت يد الشعب المصري هي أولى الأيادي الممتدة إلى أفريقيا كلها، لدعم نضالها ضد الاستعمار الغربي، ولرفع أعلام الاستقلال في سمائها، لأن عروبة مصر ليست بديلاً عن أفريقيتها، ولا عن عقيدتها الدينية الإسلامية والمسيحية.
ولهذا، عندما رسم الزعيم عبد الناصر في كتابه «فلسفة الثورة» ثلاث دوائر رئيسة لحركة السياسة المصرية، هي الدائرة العربية، والأفريقية، والإسلامية، برؤية استراتيجية وهندسة سياسية وحركة تحررية، تفاعلاً عضوياً وحيوياً مع محيطها القومي والجغرافي والثقافي، فكأنه كان يرسم خريطة للمستقبل الواعد بالخير المشترك.
واليوم بعد المسيرة التحررية المصرية الجديرة بالإعجاب، والمسيرة الأفريقية الاتحادية الجديرة بالاحترام، تعود مصر إلى قارتها لتحقيق حلم الوحدة الأفريقية وصولاً إلى التنمية، وتعويض شعوبها عن عهود القهر والتخلف، ومحاربة محور الشر الاستعماري، وثالوث الجهل والفقر والمرض. فلقد كان قائد الثورة المصرية الأم يبشر بمستقبل نتطلع الآن إليه، للتحرر من الاحتلال، ومن الفقر بالتنمية الاقتصادية..
ومن الاستغلال بالعدالة الاجتماعية، وللشراكة الاستراتيجية العربية الأفريقية بالتكامل الاقتصادي والتضامن السياسي والتفاعل الثقافي، وصولاً إلى الحرية السياسية والعدالة والكرامة الوطنية والإنسانية، لكل مواطن مصري وعربي وأفريقي وإسلامي.