قد تبدو نكتة، ونحن العرب في حاجة إلى ابتسامة ولو بالإكراه، فالحرب والخلافات والصراعات الطائفية وعمليات الاغتيال، تكاد تمزق نصف أوطاننا أو أكثر، والأخطار من كل جانب تهدد أمننا، وجماعة الإخوان تسوّد علينا عيشتنا بإشاعة الفزع، والسعي وراء السلطة، ونادراً ما تهل علينا بشائر الفرح، لكننا نقاوم ونصمد و«نقاوح»، ولن نلين أو نترنح.
فما أكثر الأيام الصعبة التي عبرناها، وفي مثل هذه الأحوال ما أجمل أن تهبط علينا نكتة حلوة مثل نسمة تخفف من سخافة الأحداث المحيطة بنا، وهي نكتة من القاهرة، نكتة واقعية حدثت بالفعل وما زالت، صنعتها مجموعة من الزوجات المصريات في أزواجهن، بحبسهم في المنزل من دون خروج إلا بإذن مكتوب ومطبوع، وموقع عليه من الزوجة بالموافقة، وإذا خالف الزوج شروط التصريح يعرض نفسه لعقوبات متدرجة، كما لو أنه مجند يخدم في وحدة عسكرية عليه الالتزام بقواعدها، وإطاعة أوامرها، وإلا ناله ما لا يرضى.
والحكاية أن مجموعة من الزوجات يذهبن صباح كل يوم بأولادهن إلى المدرسة الخاصة الشهيرة، والتقين على باب المدرسة..
كلمة من هنا على كلمة من هناك، تعارفن، وهيا بنا إلى كافيه نشرب كابتشينو أو عصير «فريش»، وبدأت العلاقات تتوطد، والحكايات المثيرة عن أزواجهن تتطاير في فضاء الجلسات الصباحية، وراحت كل واحدة تحكي مخاوفها مع الزوج الذي يغيب عن البيت أغلب ساعات النهار ونصف ساعات الليل، سواء كان عنده عمل أم لا، ومعظم هؤلاء الأزواج من رجال الأعمال الناجحين، الذين عليهم العين والطلب.
فالأزمة في مصر ليست سياسة في سياسة فقط، فعدد كبير من البنات لم يتزوجن، وتكاد أعمارهن تتسرب من بين أيديهن في انتظار فارس أحلام لم يعثر على الحصان الأبيض الذي يخطفها عليه، ومعظمهن من عائلات جيدة ومتعلمات تعليماً جيداً وذات شخصيات قوية، والشباب الجديد لا يحب الفتيات القويات، والبديل أمامهن أن يخطفن زوجاً ناضجاً جاهزاً، والرجال بطبعهم «عيونهم زائغة» وقلوبهم رهيفة، وإحساسهم أوتار مشدودة، يسهل لامرأة جميلة العزف عليها.. وقد يسقط في بحر العسل الثاني. باختصار، قالت الزوجات لأنفسهن: الخطر يلوح في الأفق، وأحوال رجالنا تشي بأنهم تحت العين.. فلوس وشباب.
ولمعت الفكرة الجهنمية في دماغ إحداهن، وقالت: علينا أن نبلغهم بقلقنا رسمياً. قالت واحدة: كيف؟
ردت ثالثة: لا بلاغ ولا يحزنون، فيه حل وحيد هو؛ لا خروج من البيت من دون إذن وتصريح رسمي. علقت أطيبهن: هذا كلام فارغ، ويسبب مشكلات وأزمات لا تنقصنا. ردت أذكاهن: فقط عليهم أن يعرفوا أنهم تحت الرقابة، وأننا نرصد تحركاتهم.
وتفتق الذهن عن التصريح، وجلست إحداهن وصممت النموذج المطلوب، وطبعن منه ألف نسخة بصفة مبدئية ووزعنها عليهن. نموذج التصريح فعلاً في منتهى الشياكة، ومكون من ثلاثة أجزاء، جزء يملأ بياناته الزوج، وجزء خاص بالزوجة بصفتها صاحبة السلطة، وجزء خاص بلائحة العقوبات.
الجزء الأول عنوانه: طلب تصريح خروج من المنزل، ثم رقم التصريح.. وهذا نصه: سعادة الزوجة الحبيبة المحترمة، أتقدم إلى سعادتكم بطلب التكرم بالسماح لي بالخروج من المنزل في يوم... الموافق... من الساعة... حتى الساعة...، للأسباب الآتية (متاح فقط أربعة أسباب لا خامس لها)، كما أتعهد لسعادتكم بصفتكم السلطة العليا في المنزل، بأن أعود في الوقت المحدد لانتهاء التصريح، مع استعدادي لتحمل كل العقوبات المنصوص عليها أدناه، في حالة تأخري عن الحضور في الموعد المحدد، مقدم الطلب.. التوقيع..
الجزء الثاني : خاص بالاستعمال الرسمي (يعبأ بمعرفة الزوجة فقط)، ونصه: بعد الاطلاع على طلب الخروج المقدم من زوجنا الحبيب، وبعد مراجعة مبررات الخروج ومراجعة ملف مقدم الطلب، قررنا نحن الزوجة الآتي:
أولاً: سمح للزوج بالخروج من الساعة... حتى الساعة... حسب ساعة الزوجة، لمنع التحايل من قبل الزوج.
ثانياً: لا يسمح للزوج بالخروج للأسباب التالية:
1- عدم انتهاء عقوبة سارية من مخالفة سابقة. 2- تجاوز مقدم الطلب العدد المسموح به للتصاريح هذا الشهر. 3- لتعكر مزاج الزوجة في هذا اليوم. 4- نظراً لرغبتها الذهاب إلى السوق، ما سيتوجب بقاء مقدم الطلب مع الأطفال. 5- نظراً للأناقة الزائدة عن الحد، ما يستدعي الشك في سبب الخروج..
أما الجزء الثالث فهو لائحة العقوبات من ستة جزاءات حسب نوع المخالفة...
ترى ماذا سيحدث؟! استعدوا أيها الرجال، الحبس المنزلي الانفرادي قادم حتى لو بدأ بنكتة!