من يونيو إلى يوليو إلى رمضان، شهور ثلاثة خالدة حافلة بكل ما هو وطني وديني وشعبي وثوري، وبكل ما هو ملهم ومضيء من قيم في حياة الشعب المصري، وتحمل أيامها من التحديات والانتصارات، ومن التجارب التاريخية ما يؤكد لكل من يهمه أمر مصر والمصريين وأمر العرب والمسلمين، أن مصر بشعبها وجيشها ستبقى بعون الله دائماً عصية على الانكسار، ومصرّة على الانتصار لوطنها وأمتها العربية والإسلامية، مثلما كانت دوماً عبر التاريخ.

في الخامس من يونيو عام 67 واجهت مصر انتكاسة عسكرية مريرة، لكن الشعب المصري الذي لا يعرف الاستسلام، خرج على امتداد الوطن بالملايين يتمسك بقيادة جمال عبد الناصر الوطنية، رفضاً للانكسار وإصراراً على الانتصار، وبإعادة بناء القوات المسلحة بدعم الأصدقاء الروس، وبشن حرب الاستنزاف المجيدة ضد العدو الصهيوني، حقق إرادته بالانتصار العسكري التاريخي، بمشاركة عربية فاعلة في العاشر من رمضان العظيم.

وفي الثلاثين من يونيو عام 2012، وبخداع كبير وصلت جماعة الإخوان إلى الحكم بانتخابات مطعون على سلامتها، بعد ثورة يناير التي تصدرت مشهدها جماعتان مربوطتان بخيط صهيو أميركي واحد؛ الأولى نشطاء الطابور الخامس، والثانية جماعة الإخوان المدعومة أميركياً. وحينما اتضح أن المشروع الإخواني شاهد زور على المشروعين الإسلامي والوطني، أسقط الشعب الجماعة واستعاد الثورة من شهود الزور عليها، بثورة الثلاثين من يونيو عام 2013.

وبينما يحتفل الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية اليوم باستطلاع هلال شهر رمضان المبارك، الذي شهد انتصار الوطن المصري والأمة العربية على الصهاينة والأميركان، يحتفل الشعب المصري بعد يومين بالذكرى الأولى لانتصار الثورة الملايينية غير المسبوقة في الثلاثين من يونيو، التي أوقفت مسيرة مؤامرة الفوضى الهدامة في المنطقة العربية، وكشفت عملاء وأدوات المخطط الشرير للتقسيم والتدمير عن طريق الوقيعة بين الشعوب العربية والجيوش الوطنية.

واحتفال مصر بعد عام واحد من الثورة، هو احتفال بانتصار الإرادة الشعبية الغلابة على قوى الظلام والإرهاب المتاجرة بالدين العظيم، وبإنجاز دستور ما بعد الثلاثين من يونيو، وبانتخاب القائد العام للجيش المصري رئيساً للجمهورية بنسبة غير مسبوقة، في انتخابات ديمقراطية سليمة شهد بنزاهتها المتابعون المصريون والعرب والأفارقة وحتى الأوروبيون والأميركان..

مثلما هو احتفال بانتصار الإرادة الوطنية على قوى الهيمنة والاستكبار والغطرسة الغربية، وبتصميم مصر على استقلالها وقرارها وخيارها الوطني، بإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر اليوم مصممة على الحفاظ على إرادتها وكرامتها الوطنية، وترفض الوصاية والتدخلات الأجنبية، سواء في شؤون مصر الداخلية أو في شأن القضاء المصري العادل، ولا تقبل الإملاء أو الضغط أو الابتزاز أو التهديد من أية دولة أجنبية، بعد أن خرجت نهائياً من عباءة التبعية.

مصر العربية الإفريقية الإسلامية، قد عادت اليوم لاحتلال مكانتها الكبرى في قارتها الإفريقية، وبحضور مشرف ورأس عالية، بعد دعوة الاتحاد الإفريقي للرئيس السيسي ليتبوأ مقعد مصر في القمة الإفريقية التي تختتم أعمالها اليوم في جمهورية غينيا الاستوائية، في صفعة للأميركان وللإخوان الذين راهنوا كثيراً على عزل مصر إفريقيا وفشلوا، بعد أن راهنوا على عزلها عربياً وفشلوا!

وهنا لا بد أن نشيد بالمواقف العربية الشقيقة الداعمة لمصر وشعبها، انطلاقاً من وحدة الأمن القومي العربي، وإدراكاً لأن قوة مصر حماية لأمتها، ووفاءً لدورها التاريخي في الدفاع عن الأمة العربية، خاصة من دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت.. وكم كانت الزيارة الخاطفة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتهنئة الرئيس السيسي تأكيداً لدعم مصر في «قمة الطائرة»، رسالة جديدة لمن يهمه الأمر في العالمين العربي والغربي.

ومن بشائر الخير على مصر هذا العام، وهي تخطو في الطريق إلى غرة رمضان مع كل أشقائها المسلمين في العالم بكل خيراته وبركاته وإشراقاته الروحية، أن تجد نفسها على نفس الطريق في اتجاه اليوم الثلاثين من يونيو مع كل شعبها وجيشها وأمنها، ومع كل أشقائها العرب وأصدقائها الأفارقة، بكل معانيه ودلالاته وقيمه وشعاراته، التي ترجمتها القوى الوطنية والسياسية والدينية المصرية في الثالث من يوليو، انتصاراً للإرادة الشعبية.

وكم كانت بشارة خير حقيقية فاجأتني بينما أكتب هذه السطور يوم الثلاثاء الماضي، حينما تفضل بدعوتي هاتفياً المستشار الإعلامي للسفارة المصرية شعيب عبد الفتاح، لحضور الحفل الوطني المصري الكبير الذي يجمع كل المصريين والأشقاء والأصدقاء الإماراتيين والعرب والأفارقة والمسلمين مساء اليوم ذاته 23 يونيو، احتفالاً بذكرى الثورة المصرية الوطنية الأم.. ثورة 23 يوليو عام 52..

وإذ يأتي هذا الاحتفال المبكر بثورة يوليو قبل الاحتفال المقرر بثورة يونيو، حرصاً على صفاء شهر رمضان، فلعلها رسالة جديدة لكل قراء المشهد المصري، ليعلموا أن ثورة يوليو هي الأم لثورتي يناير ويونيو بكل مضامينها وأهدافها الوطنية والشعبية التحررية، المتمثلة في الحرية والتنمية والعدالة والكرامة الوطنية والإنسانية.