كان الأسبوع الذي سبق يوم الثورة الشعبية المصرية في الثلاثين من يونيو العام الماضي، بالغ السخونة بأحداثه وتظاهراته واضطراباته الدامية، حينها كان العالم يرقب بقلق ما سيجري في اليوم الموعود، بينما كانت مصر تحبس الأنفاس وهي على مشارف أحد احتمالين:

الأول، زلزال سياسي شعبي سلمي تشارك فيه جل ألوان الطيف السياسي الوطني المصري، من قوى إسلامية وليبرالية وقومية ويسارية، بحماية الجيش والشرطة، ويهدف لاستعادة الثورة من خاطفيها، والاحتكام من جديد لإرادة وخيار الشعب عبر الصناديق في انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة.. وهو ما يشكل خروجاً سلمياً وديمقراطياً من الأزمة، لإعادة قطار الثورة المصرية للمسار الصحيح بقيادة وطنية رشيدة، بعد أن خرج عن القضبان لعدم أهلية القيادة الإخوانية العنيدة!

أما الاحتمال الثاني، فهو طوفان مذهبي دامٍ يقلب الصراع من السياسي إلى الديني، ليصور للناس زيفاً وكأنه بين أنصار المشروع الإسلامي وأعدائه، فيدخل مصر وشعبها في صراع أهلي بين إرادتين شعبية وإخوانية، بعناد فصيل إسلاموي واحد يتشبث بالحكم ويحاول الاستئثار بالدولة باسم الشرعية، بينما الشرعية تآكلت بسياساته الخرقاء.. وهو ما اتضح بعدما أوصل البلاد في عام واحد إلى حالة غير مسبوقة من الانقسام والصدام والبطلان الدستوري، وفقدان الأمن وغياب البوصلة الوطنية والسياسية في المحيط العربي والإقليمي!

هذه الحالة من التيه دفعت غالبية الشعب إلى درجة غير مسبوقة من الاحتقان والغليان والمعاناة وفقدان الأمان، ورأت تيارات وطنية وقومية وليبرالية ويسارية وفصائل إسلامية، أن حكم هذا التيار الإخواني الظلامي لم يعد قابلا للاستمرار، وذلك لفقدانه الشرعية بأحكام قضائية، ولانقلابه على الدستور والقانون والقضاء وفقدانه للرضا الشعبي أساس الشرعية..

ولهذا فإن المواجهة السلمية التي تجسدت يوم 30 يونيو بين الشعب المصري والحكم الإخواني، لم تكن بين أنصار الإسلام وأعدائه، فالمصريون غالبيتهم مسلمون، كما أن الجماهير التي نزلت إلى الميدان كالطوفان لم تكن فقط جماهير المعارضة من حركة تمرد، بل كانت ملايين عديدة من جماهير الشعب بكل أطيافه، في مواجهة «أنصار الإخوان» من عناصر الجماعة والأحزاب الصغيرة الموالية.

ومنذ ظهور حركة «تمرد» الشبابية في الشارع السياسي المصري قبل أسابيع من تفجر ثورة الثلاثين من يونيو الشعبية، كفكرة غير تقليدية من خارج الصندوق وحملة شبابية سلمية وديمقراطية، لجمع تواقيع الملايين من المصريين إعلاناً شعبياً بسحب الثقة من الرئاسة الإخوانية، وإعلاناً بالثقة في الجيش المصري، ومطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة تفتح الطريق للشراكة الوطنية.

. كان السؤال الأول الذي طرح نفسه على الناس هو؛ هل يمكن أن تنجح هذه الحملة الشعبية في تحقيق هدفها بجمع 15 مليون توقيع قبل يوم 30 يونيو بما يفوق الأصوات التي حملت الدكتور مرسي إلى مقعد الرئاسة؟ وبعدما رأى قطاع كبير من الشعب المصري في هذه الحملة أسرع وأسهل وسيلة للتعبير عن غضبه ورفضه لسياسات الرئاسة المصرية المعبرة عن المشروع الإخواني،..

وليس الإسلامي أو الوطني، وهو المشروع الذي أسقط نفسه بنفسه بسوء الأداء والفشل الشامل داخلياً وخارجياً، لغياب الخبرة السياسية والإدارية، والافتقار إلى الثقافة الدستورية والقانونية والديمقراطية والوطنية.. فلقد تجاوب الشعب ونجحت الحملة، بل وتجاوزت أهدافها، بما دعاها إلى دعوة جماهير الموقعين للتظاهر والاعتصام في الميدان يوم 30 يونيو لتحقيق مطالبها..

بقي السؤال بعدها حائراً؛ هل يمكن أن ينجح الحشد الشعبي الملاييني السلمي في ذلك اليوم الموعود (30 يونيو) في إقناع الرئاسة الإخوانية المتشبثة بالسلطة، أو في الضغط عليها لإحداث التغيير المنشود، بالوسائل الديمقراطية الشعبية بانتخابات مبكرة أو حتى باستفتاء، لاستعادة وتصحيح مسار الثورة المصرية التي ركب موجتها الإخوان وطوابير أخرى وانحرفوا بها عن مسارها؟! وكان السؤال التالي آنذاك هو؛ وماذا بعد 30 يونيو؟ هل تنجح الغالبية الشعبية الرافضة للحكم الإخواني الغاشم في فرض إرادتها بدعم الجيش والشرطة؟

وهل تتحرك مصر بعد الثورة الشعبية نحو سكة السلامة، بوحدة قوى الديمقراطية والعدالة والمساواة والشراكة الوطنية؟ ولقد جرت بلورة الإجابة النهائية على ذلك يوم 3 يوليو، وأعلنها القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، كخريطة للمستقبل جرى تأييد الشعب الكاسح لها مرات ثلاث في 26 يوليو، وفي الاستفتاء على الدستور، والثالثة في التأييد الغلاب لانتخاب المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً للجمهورية.

وكان لا بد لهذه المقدمات والمسارات الناجحة من تداعيات مضادة خارجية وداخلية. فبينما تتحرك مصر بثبات نحو أهدافها الوطنية والشعبية، يبدو المشهد المصري تاريخياً وهو يواجه المخططات الأجنبية الخبيثة والإرهابية السوداء ضد الوطن والثورة، وهي تحاول يائسة وبائسة عرقلة مسار الإرادة الشعبية نحو المستقبل، لتتجاوز القضية الآن لدى الشعب المصري مطلب استعادة الثورة، إلى مطلب استعادة الدولة وحماية الشعب والوطن من كل أعداء الشعب والوطن.