رويداً رويداً تتكشف فصول أسوأ رواية درامية عاشها البيت الأبيض في السنوات الأربع الماضية، عبر رئيس »احترف الرقص مع المتشددين الإسلاميين« بحسب وصف مجلة »فرونت بيج« الأميركية في عدد أخير لها. فهل يمكن لهذا الرقص الذي هو أشد خطراً وهولاً من الرقص مع الذئاب، أن ينهي سنوات باراك أوباما فعلياً قبل وصولها إلى الموعد النهائي المقرر لها؟

في الأيام القليلة الماضية لم يكن هناك حديث سوى أحاديث الدعم الأوبامي الرسمي للإخوان، الذي كشفت عنه وثائق أميركية رسمية تم الإفراج عنها بموجب قانون حرية المعلومات الأميركي، وحصلت عليها مجموعة الشرق الأميركي الاستشارية في واشنطن.

وكافة الوثائق، التي هي مزيج من الأوامر الرئاسية لأوباما والمراسلات مع وزارة الخارجية والرسائل الإلكترونية، تؤكد أن إدارة أوباما كان لديها تخطيط سياسي لتصعيد الإخوان، لا في مصر فقط بل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وان دراسة جدية جرت في الفترة ما بين سبتمبر 2010 وفبراير 2011، الأمر الذي يعني أن ثورات الربيع العربي كانت تحركها أياد خفية أميركية.

لم يكن أوباما بالقطع هو المفكر الأول في تلك الدراسة، بل الموجه وفي النهاية صانع القرار، فيما كانت العقول التي وجهت اتجاهات الرياح السياسية فيما بعد، تتألف من دنيس روس الخبير الأميركي اليهودي الأول في مجريات الشرق الأوسط، وسامانتا باور مندوب أوباما في الأمم المتحدة والتي تعشق لغة القوة والتهديد المسلح، عطفاً على غاريل سميث، وبن رودس، ومايكل ماكفول الذي لعب دوراً واضحاً في الثورات الملونة في الجمهوريات السوفييتية السابقة.

الرسائل التي تم تبادلها بين مسؤولين في البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي الأميركي ووزارة الخارجية، والتي تصل إلى مائة رسالة، وقام بنشرها موقع »ميدل ايست بريفنغ«، تكشف أن المراجعة التي طلبها أوباما انتهت إلى أن الإخوان المسلمين بشكل عام »حركة من المجدي أن تساندها الولايات المتحدة في عموم شمال إفريقيا والشرق الأوسط«.

ونتيجة لذلك وتحت توجيه رئاسي، كثف الدبلوماسيون الأميركيون اتصالاتهم بكبار زعماء الإخوان، وقدموا دعماً فاعلاً لجهود التنظيم الرامية للوصول إلى السلطة في بلدان مهمة مثل مصر وليبيا وتونس وسوريا. هل كانت اتصالات إدارة أوباما هي الأولى من نوعها أميركياً مع الإخوان المسلمين؟ بالقطع لا، فالاتصالات والاستقبالات العلنية والسرية تعود إلى الخمسينات، لكن حكماً أن الدور الذي لعبه أوباما شخصياً كان وراء وصولها للحكم.. فهل بدا الأميركيون يدركون أبعاد ما شارك وخطط له أوباما لدعم التيارات الإسلامية الأصولية؟

يبدو أن غالبية الحقائق لم تتضح بعد، وان الأخطر والأكثر هولاً لا يزال يحتفظ به الإخوان كورقة أخيرة لمواجهة أوباما.. ماذا يعني ذلك؟ بعد أحكام الإعدام الأخيرة على عدد بالغ من أعضاء تنظيم الإخوان، بمن فيهم المرشد العالم للجماعة وعدد من مساعديه، بدأت الأمور تدخل في دائرة الخطر المحدق الفعلي بالجماعة، والتي تفقد شعبيتها في الشارع المصري من جراء إصرارها على طريق العنف، الذي تبدى أخيراً في ذكرى 3 يوليو وإسقاط محمد مرسي.

وفي هذا السياق بدأت تسريبات إخوانية تصل إلى بعض وسائل الإعلام عن تهديدات جماعة الإخوان والتنظيم الدولي للإخوان للإدارة الأميركية الحالية ولأوباما شخصياً، تهديدات تحمل إنذارات بكشف المستور من اتفاقيات سرية جرت بين الطرفين، تعبر عن الدعم الأميركي الرسمي للجماعة في مصر، مقابل التزامات مثل إقامة دولة فلسطينية على جزء من أراضي سيناء.

التسريبات تحمل كذلك احتمالات وجود رابط بين أوباما وبين إخوان ليبيا وعملية اغتيال السفير الأميركي في بنغازي، والشبهات دائرة بالفعل حول دور هيلاري كلينتون وزيرة خارجية أوباما وقت حدوث تلك الجريمة، ويوم تثبت صحة هذه الاتهامات فإن مصير أوباما لن يكون العزل فقط، بل السجن والتبعات على الحزب الديمقراطي ستتجاوز تبعات فضيحة ووترغيت بالنسبة للرئيس نيكسون.

في هذا الإطار عينه، تؤكد دوائر أميركية أن القرارات الأخيرة التي صدرت عن الأمم المتحدة والخاصة بإلغاء أحكام الإعدام، إنما جاءت على عجل وتحت ضغوط أميركية من أجل إنقاذ رقاب الإخوان. فهل رقص أوباما توقف عند حدود الإخوان؟ يعترف السيناتور الأميركي »راند بول« منذ بضعة أيام، بتسليح الإدارة الأميركية الحالية لتنظيم داعش، ويؤكد أن هذه المساعدات هي سبب تحقيق التنظيم لمكاسب سريعة في المنطقة.

كيف يمكن أن تمضي الأمور مع أوباما؟ منذ أقل من شهر أشار رئيس مجلس النواب السيناتور الجمهوري »جون باينر« إلى وجود اتجاه لدى الجمهوريين لمقاضاة أوباما بتهمة تجاوز حدود سلطاته، وعدم تطبيق القوانين بأمانة. والقضية حجر الزاوية هنا هي صفقة أوباما المريبة مع طالبان، والإفراج عن عدد من قادتها مقابل جندي أميركي مختطف، وقد تكون القضية بداية انهيار جبل الدسائس الأوبامية وعلاقاته مع التيارات الأصولية الإسلامية.

السؤال قبل الرحيل: هل الأميركيون مهيؤون لعزل أوباما وإنهاء ولايته مبكراً؟ واشنطن بوست أعلنت منذ أيام عن نتيجة استطلاع رأي أجرته جامعة »كوينيباك« في »كونيتيكت«، وفيه ذهب الأميركيون إلى أن أوباما أسوأ رئيس خلال السبعين عاماً المنصرمة.. لماذا؟ الجواب يحتاج لحديث آخر.

ما الذي يمنع قطع الطريق الرئاسي الآن على أوباما؟ لا شيء.