العاشر من رمضان.. والحرب المستمرة

 تمر علينا ذكرى أهم انتصارات العرب على الصهاينة المدعومين من الأميركان، وذكرى أعظم انتصارات المسلمين الأوائل على جيوش الكفار بفتح مكة المكرمة، لتذكرنا بأن ما تحقق من انتصار عربي كان نتاجاً لملحمة نضالية مصرية بين الشعب والجيش، ولمنظومة عمل اتحادية مصرية سورية ليبية تحت علم دولة »اتحاد الجمهوريات العربية«..

وبسيمفونية أسلحة عربية مشتركة بالرجال والسلاح وبالدم والنفط، جزائرية وعراقية ويمنية ومغربية وسودانية وخليجية، وبالتحديد سعودية وإماراتية وكويتية. وهنا لا بد أن نتذكر ذلك الموقف الخالد لحكيم العرب الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، بالإصرار على القطع الكلي للبترول عن الدول الغربية الداعمة للمعتدين الصهاينة، والذي تأتي ذكرى رحيله في رمضان لتذكرنا بمقولته الخالدة: »إن النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي«.

وعندما نطل اليوم على المشهد العربي، نجد مصر الشعب والجيش العربي ما زالت تواجه المؤامرة تلو المؤامرة لكسرها، وسوريا الشعب والجيش في قلب المعركة الاستعمارية ضدها، وهما اللذان خاضا معا حرب يونيو 67 واقتسما معا مرارة الهزيمة، وخاضا معا على جبهة القناة المصرية والجولان السورية، حرب اكتوبر 73 المنتصرة، واقتسما معا حلاوة النصر بدعم عربي وسلاح روسي.

وعندما نستعيد شريط المشاهد التاريخية التي سبقت العاشر من رمضان المجيد، والذي حقق فيه الشعب والجيش المصري أعلى إراداته بأغلى ثوراته الشعبية في 30 يونيو التي أسقطت أهم أدوات المؤامرة، وصاغ دستوره، وانتخب رئيسه، وحيث تواجه سوريا أخطر محنة تهدد وحدة الوطن وكيان الدولة السورية واستقلالها، ندرك دون عناء أن مشهد الاحتفال الحالي بالنصر سبقه العديد من المعارك والانكسارات والثورات والتحديات والاستجابات، بين قوى التحرر العربي وقوى الاستعمار الغربي..

ذلك أن القوى الاستعمارية التي تمردت عليها الثورة المصرية وتحدتها وانتصرت عليها في العديد من المعارك، لم تغفر للثورة انتصاراتها في العديد من معارك الاستقلال والحرية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ورفض الأحلاف والتبعية.

فكان عدوان الحلف الصهيو أميركي على مصر وسوريا والأردن عام 67، واحتلال سيناء المصرية والجولان السورية والضفة الفلسطينية.. ولأن شعوبنا رفضت الهزيمة وصممت على النصر، فلقد استطاعت عبور الهزيمة العسكرية وتحقيق أكبر نصر عسكري على الجبهتين المصرية والسورية، وقهرت جيوشنا الباسلة الجيش الصهيوني »الذي لا يقهر«، في مثل هذا اليوم الخالد، فوقعت الهزيمة عليه كالزلزال.

ولم تكن حرب أكتوبر هي آخر الحروب بما تلاها من حروب صهيو أميركية انتقامية، خطط لها في العام 74 التالي للحرب بمخطط »برنارد لويس« الأميركي لتقسيم الشرق، لكي لا يتكرر نصر عربي ولا هزيمة إسرائيلية، وما تلاه من خطط انتقامية وتقسيمية أخرى، وذلك بإشعال الحروب الداخلية للانتقام من الجيوش العربية التي شاركت في هزيمة إسرائيل، ولإعادة تقسيم الوطن العربي بالفتن الطائفية والمذهبية والعرقية والسياسية، لتبقى إسرائيل هي الأقوى تحت الهيمنة الأميركية.

وبينما أهملنا نحن دروس النصر عام 73، تعلم العدو الصهيوني وحلفاؤه درس الهزيمة من حرب رمضان، فوضع خططه لتفكيك وحدة العرب، وأطلق مؤامراته لتقسيم الأوطان..

وأشعل الفتن الأهلية لاستزاف الجيوش العربية، خصوصا المصرية والعراقية والسورية التي تشكل السد العالي في وجه المعتدين، فنجح حتى الآن في تدمير الجيش العراقي والليبي وفي استنزاف الجيش السوري، وما زال يحاول مع الجيش العربي المصري الوحيد الباقي، لكنه ما زال يرتطم بالسد العالي المصري المتمثل بالوعي الشعبي والسياسي والعسكري.

وبينما حاول الرئيس الإخواني المعزول بأمر الشعب المصري، توريط الجيش المصري في الحرب ضد سوريا تحت أعلام مذهبية رفض الشعب المصري، ورد بقيام ثورة 30 يونيو المصرية، التي أسقطت مرسي وحكم الاخوان في 3 يوليو.

وهذا هو الدرس الذي تعلمه الشعب المصري من كوارث المؤامرة الصهيو أميركية على جبهات متعددة في الأمة العربية والاسلامية، فاستطاع بوحدة الجيش والشعب أن يسقط بثورة يونيو الشعبية حكم الاخوان في مصر، أهم أدوات المؤامرة، ليقوض بذلك الاستراتيجية الصهيو أميركية، لتوظيف الثورات العربية باسم »الربيع العربي« لتصعيد الاخوان للحكم في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وصولاً لإعادة رسم الخرائط العربية.

ولذلك، فإن الاحتفال الحقيقي بالنصر هو بوحدة الشعب والجيش معا لحماية الوطن المصري والعربي من الأعداء، وليس بالاقتتال الأهلي تحت كل العناوين خدمة للأعداء، وبعدم السقوط في فخ المؤامرات للوقيعة بين العرب والمسلمين، أو بالفتنة بين شعوبنا وجيوشنا، وإنما بوحدة القوى العربية وخاصة المصرية والسورية، لإفشال المؤامرة التي باتت مكشوفة على الأمة كلها. ولهذا لا نقبل لشركاء النصر الأشقاء التحول اليوم إلى أعداء، أو التحالف مع الأعداء ضد الأشقاء في خدمة مجانية مدفوعة بالدماء لكل الأعداء!

في ذكرى العاشر من رمضان العظيم، كل الإكبار للشهداء الأبرار ولقادة وجنود حرب رمضان الأبطال.. والتحية لكل الرجال على كل الجبهات المتفجرة، المتصدّين لمؤامرات ما بعد انتصار رمضان الهادفة لتكرار هزائمنا وإجهاض انتصاراتنا.