يبدو واضحاً أن الاستراتيجية الصهيونية التي اعتمدت نظرية «شد الأطراف»، التي صاغها «بن غوريون» مع اغتصاب فلسطين، لحصار الوطن العربي بـ«حلف المحيط» الإقليمي كتركيا وإيران وإثيوبيا، قد تحولت الآن بعد التنفيذ إلى عملية «قضم الأطراف» الاستراتيجية التي تضم مكامن الثروة العربية..

وفصلها عن الوطن الأم بادعاءات طائفية أو عرقية أو مذهبية، وتحويلها لمنصات معادية حليفة للدولة الصهيونية، كما جرى بانفصال جنوب السودان، ويجري بخطط انفصال تركستان العراق! مثلما يبدو بنفس الوضوح، أن الاستراتيجية الاستعمارية القديمة للسيطرة على الشرق العربي الإسلامي، بنظرية «الغزو العسكري» من الخارج...

قد أعادت إنتاج نفسها باستراتيجية أميركية جديدة، هي نظرية «الغزو الفتنوي» من الداخل بوساطة أدواتها الإرهابية والسياسية والدعائية، وتلعب إسرائيل فيها دور العصا الغليظة ضد الأهداف التحررية الوطنية والقومية العربية، كالاستقلال الوطني والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والوحدة العربية.

وبينما المخاطر الخارجية بأدواتها الداخلية تحيط بالعرب والمسلمين الآن من كل جانب، وأبرزها العدوان الصهيوني الإجرامي على الشعب الفلسطيني في غزة، والاشتعال والانقسام المستعر في العراق، استفادة بالصراع المسلح لتفكيك سوريا، والفوضى المسلحة لتفتيت ليبيا، وانشغال مصر بمواجهة المؤامرة الإرهابية، والحرب المسلحة في اليمن..

فليس هناك هدف لأعداء الأمة أغلى مما هو قائم الآن في أوطان العرب والمسلمين المحيطة بفلسطين، من انقسامات وصراعات بين الأشقاء، ومواجهات مسلحة بين الميليشيات والجيوش، انشغالاً عن فلسطين والقدس ومواجهة الأعداء، فتلك أهدافهم وخططهم، من تفتيت الصومال إلى صوملة السودان، ومن لبننة العراق إلى عرقنة سوريا!

بدأ هذا المخطط الشرير بعد انتصار العاشر من رمضان، بإشعال فتنة الحرب الأهلية اللبنانية بكل المكونات السياسية والطائفية والمذهبية والعرقية، لتحقيق هدفين وصولاً إلى تنفيذ مخططه الكبير الأول، ضرب المقاومة الفلسطينية واللبنانية ومنعها من تهديد إسرائيل، والثاني اتخاذ هذه الحرب الأهلية نموذجاً لتعميمه لإشعال الحروب الأهلية على المواقع الرئيسة في الأمة العربية المشتعلة بالفتن والمتفجرة بالانقسامات.

ومع الفشل في لبنان اتجه الأشرار إلى العراق بعدوان أطلسي صهيوأميركي، فتم حل الجيش العراقي الذي تخشاه إسرائيل، وأشعل الحرب الأهلية لتقسيم العراق، في الطريق إلى تكرار اللعبة الدموية، وهكذا من غزو العراق إلى ضرب ليبيا، ومن لبننة العراق إلى عرقنة سوريا، وصولاً إلى الهدف الاستراتيجي...

وهو السعودية، مع التمني اليائس بالجائزة الكبرى مصر! «آفي ديختر» وزير الأمن الإسرائيلي السابق، من خلال محاضرة للقيادات الأمنية الصهيونية عام 2008 عن التحديات المحيطة بإسرائيل وخططها المستقبلية لمواجهتها (التي أدعو كل العرب لقراءتها كاملة على النت)، يكشف الكثير من محاور المخطط الصهيوأميركي الشرير تجاه الوطن العربي كله، قائلاً بالنص:

«إن المعادلة الحاكمة في حركتنا الاستراتيجية، تنطلق من مزيد تقويض حزمة القدرات العربية في دولها الرئيسة، من أجل تحقيق المزيد من الأمن القومي لإسرائيل». وسأجتزئ مما اعترف به ديختر، ما يتصل بالعراق المشتعل والمنقسم الآن مثلاً، وتداعياته لصالح الأمن الصهيوني، وآثاره ضد الأمن القومي العربي عموماً، والأمن الوطني السوري والفلسطيني والمصري خصوصاً:

ـ «لقد حققنا في العراق أكثر مما خططنا له، بفضل الحرب الأميركية على العراق عام 2003» ـ «تدخلنا منذ بداية السبعينيات وذروة أهدافنا هو دعم الأكراد، وكان المخططون أوري لوبراني مستشار الحكومة وسفراؤنا في تركيا وإثيوبيا وإيران» ـ «بدأنا دعماً سياسياً بإثارة قضية الأكراد في المنابر العالمية، في أميركا وأوروبا وداخل أوروبا، مع دعم مادي أيضاً» ـ «عام 1972، تحولنا للدعم الأمني بتزويد الأكراد بالسلاح عبر تركيا وإيران..

وتدريب مجموعاتهم في إسرائيل وتركيا وإيران، تطويراً لمستوى العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والأكراد» ـ «بعد انهيار المقاومة الكردية نتيجة للاتفاق العراقي مع إيران عام 1975، ظلت إسرائيل بجانب الأكراد لتحقيق الهدف القومي بالحكم الذاتي أولاً، والاستقلال لاحقاً» ـ «ما تحقق في العراق فاق ما كان عقلنا الاستراتيجي يتخيله.

الآن في العراق كردستان دولة كردية، بأرض وشعب وسلطة وجيش واقتصاد ريعي نفطي، هذه الدولة تتطلع إلى توسيع حدودها لضم شمال العراق بأكمله ومدينة كركوك في المرحلة الأولى، ثم الموصل، وربما محافظة صلاح الدين إلى جانب جلولاء وخانقين»! ـ «لم يدر بخلدنا لحظة أن تتحقق دفعة واحدة مجموعة أهداف نتيجة للحرب التي شنتها الولايات المتحدة وأسفرت عن احتلال العراق، الذي ظل في منظورنا الاستراتيجي التحدي الأخطر بعد أن تحول إلى قوة عسكرية هائلة، فجأة العراق يتلاشى كدولة وكقوة عسكرية...

بل وكبلد واحد متحد، العراق يقسم جغرافياً، وانقسم سكانياً، وشهد حرباً أهلية شرسة أودت بحياة بضع مئات الألوف»! - «هدفنا الاستراتيجي هو عدم السماح للعراق بأن يعود إلى ممارسة دور عربي وإقليمي، ولا بد أن نبقيه ضعيفاً ومنقسماً، لأن غير ذلك يضر الأمن الإسرائيلي»!

والآن.. التعليق لكم يا أمة العرب!