فلسطين تشتعل الآن وعلى مدى الأيام العشرة الماضية بفعل العدوان الصهيوني اللا إنساني على الشعب العربي الفلسطيني في غزة والقدس، والتصدي البطولي لهذا العدوان المدان. وأكثر العواصم العربية والإسلامية تفجرا واشتعالا هذه الأيام وعلى مدى العامين الماضيين كانت دمشق وبغداد والقاهرة..
بحيث أصبحت هي الهم العربي والإسلامي الثاني بعد فلسطين، وذلك بفعل الإرهاب المتخفي برداء الدين والقادم من خارج الحدود للقتال ضد الجيوش العربية في الدول العربية الرئيسية التي هزمت إسرائيل في العاشر من رمضان المجيد، كأداة للمخطط الصهيو أميركي لتقسيم المنطقة العربية.
فهل هي مجرد صدفة أن يتركز الاستهداف ومخططات التدمير والتفكيك والتقسيم الاستعماري الغربي بقيادة حلف الناتو ومن تبعه بغير إحسان على العواصم التاريخية الكبرى للحضارة العربية الإسلامية، في عهود الدولة الأموية في الشام، والعباسية في بلاد الرافدين، والفاطمية في مصر وشمال إفريقيا. أم هو نوع من الرد الانتقامي الغربي ضد كل ما هو إسلامي وعربي للثأر التاريخي ؟!
المشاهد المتشابهة والمتباينة، في أكثر من موقع على الخريطة العربية، لاتكاد تنفصل كثيرا عن بعضها لا في مقدماتها ولا في مساراتها ولا في نتائجها، ربما فقط في تفاصيلها ومكوناتها، وفي درجات سخونتها أو برودتها، وتفجرها أو اشتعالها، وسلميتها أو دمويتها، ذلك أنها تتصل كثيرا في جذورها التاريخية وفي امتدادها الجغرافي، وفي تواصل شعوبها الحضاري والديني والثقافي، بل وفي امتزاج أبنائها الاجتماعي..
وبالتالي في مصالحها المتبادلة ومستقبلها المشترك. ومن هنا كانت المنطقة مفتوحة فيما بينها بغير سدود، وكانت كلها تتعرض لنفس الموجات الخارجية الغازية الواحدة، وكانت بشكل أو بآخر تتوحد في معاناة آثارها وفي أعباء مواجهتها ومقاومتها وصدها، سواء في الماضي البعيد ضد غزوات الحيثيين والفرس والإغريق والرومان، أو في الماضي الوسيط في ظل تاريخها العربي الإسلامي تصديا للحملات الصليبية، أو للحملات التتارية والمغولية، أو في تاريخها الحديث مع هجمة الاستعمار القديم، تصديا ومقاومة للاحتلال الانجليزي والفرنسي والإيطالي والصهيوني.
ولقد كانت دمشق وبغداد والقاهرة عواصم المثلث الحضاري العربي الإسلامي في عصور الدولة الأموية في الشام، والعباسية في العراق، والفاطمية في مصر، هي الأهداف الأولى دوما لذلك الهجوم الغازي الاستعماري، سواء من الغرب أو من الشرق، في كل تلك المراحل التاريخية، حيما وقفت شعوب هذا المثلث كحوائط صد رئيسية، وسدودا عالية في وجه الغزاة ودفعت، ولاتزال، التضحيات الغالية لتصد عن نفسها وعن أمتها العربية والإسلامية شرور الغزوات الأجنبية الصليبية والصهيونية.
ومثلما كان هذا المثلث الحضاري العربي الإسلامي هدفا في الماضي لهجمات الاستعمار الأنجلو فرنسي القديم ودرع الدفاع الرئيسي عن الأمة التي قسموها ضمن مناطق النفوذ، فلايزال إلى اليوم يدفع فواتير الثأر التاريخي هدفا لهجمات الاستعمار الصهيو أميركي الجديد..
وميدانا للصراع بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، في سعي غربي محموم لإعادة السيطرة عليه لموقعه الاستراتيجي، ولنفطه الاستراتيجي، وسعيا لطمس هويته الحضارية والدينية لفرض الهيمنة الثقافية الغربية الأميركية عليه بحراسة قاعدته العسكرية الصهيونية في فلسطبين، بهدف الهيمنة على العالم !
وإذا كان الأسلوب القديم للاستعمار القديم هو تهشيم الأمة الواحدة إلى عدة دول في سايكس بيكو الأولى، فإن الأسلوب الجديد للاستعمار الجديد في سايكس بيكو الثانية هو زرع «الفوضى الهدامة»، وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية لتفكيك الدولة الواحدة إلى كانتونات طائفية وكيانات مذهبية، كشظايا متناقضة وضعيفة لتسهيل سيطرته على الضعفاء ولتمكين إسرائيل المدعومة غربيا والقائمة على أساس ديني من القبول..
ومن أن تكون هى القوة الإقليمية الكبيرة والوحيدة فى المنطقة. ويلفت النظر في الهجمة الغربية على المنطقة أن الأدوات المنفذة لمشروعات الفوضى والانقسام في المنطقة العربية كانوا غالبا من الذين يتصدرون المشاهد الجديدة، تارة تحت علم «الثورة»، وتارة تحت علم «الجهاد»، ومن المتطرفين المقاتلين المحسوبين على المسلمين...
والأسلوب هو ضرب العروبة بالإسلام، ثم ضرب الإسلام بشهود الزور من المسلمين، بهدف استنزاف الجبهات العربية المواجهة لإسرائيل في مواجهات دامية بين شعوبها وجيوشها أولا، ثم بين شعوبها وشعوبها ثانيا، لإخضاع الجميع ثالثا لمشروع التقسيم الصهيو أميركي لـ«الشرق الأوسط الكبير»!