مرت على الأمة العربية والإسلامية المأزومة، لا المهزومة، أيام عيد الفطر المبارك التي كان من المفروض أن تكون أيام فرح وتراحم ووئام، لكن أعداء العرب والمسلمين وأدواتهم الإرهابية الدموية من بعض شهود الزور على العروبة والإسلام، أبوا إلا أن يسرقوا منا فرحة العيد الذي لم يكن سعيداً بكل أسف. بكل الحرائق التي أشعلوها وبحار الدماء التي سفكوها، تارة باسم الجهاد بينما الجهاد لا يعرف سفك دماء المسلمين بدعاوى مذهبية، وتارة باسم الثورة بينما الثورة هي علم تغيير المجتمع وبناء الوطن وليس شر إثارة الفوضى الدامية بدعاوى سياسية، وبسبب القتال ضد الجيوش العربية الحامية للدولة، لا لإسقاط نظام ولكن لتدمير وطن خدمة لكل أعداء الوطن!

مثلما مر شهر رمضان بأيام منقسمة ومضطربة ودامية في مرحلة من أسوأ مراحل تاريخها، حيث تكالبت الأمم على الأمة بالعدوان من كل جانب كما تتداعى الأكلة على قصعتها حيث الفتن الوطنية والحروب الأهلية، تارة مذهبية وأخرى عرقية أو طائفية أو سياسية، وكلها لا تخدم سني ولا شيعي ولا عربي أو كردي، ولا تحقق أهداف طرف عربي أو إسلامي وإنما أهداف أعداء كل ما هو عربي وإسلامي!

وبعد العيد أعتقد أنه آن الأوان للعرب والمسلمين جميعاً على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وقومياتهم أن يكون لهم مع أنفسهم »وقفة« جادة للتساؤل والمساءلة وللمراجعة والتراجع لاستعادة الذات وتصحيح المسار وتوحيد الجهود لمواجهة الخطر المشترك الذي لا يستثني أحداً.

خصوصاً بعدما أصبح واضحاً لكل ذي عينين ولكل ذي عقل يدرك أو قلب يبصر أن الأمة كلها، ليس من المحيط إلى الخليج فقط بل من المحيط إلى المحيط تتعرض لغزوة استعمارية جديدة ولمؤامرة كبرى شريرة تستهدف الجميع وتقوم على ضرب الجميع بالجميع لإضعاف الجميع، خطط لها بعد انتصار العرب على الصهاينة في العاشر من رمضان المبارك لإثارة »الفوضى الهدامة« بهدف الاستنزاف والانهاك والتقسيم وإعادة فرض السيطرة عليها.

ولهذا نتطلع إلى كل قول وفعل في اتجاه فرض السلام الأهلي والوحدة الوطنية والحوار السياسي والمذهبي بهدف أن يحل السلام بدلاً من الاقتتال، والتواصل بالحوار بدلاً من القطيعة، والوحدة بدلا من الفرقة، والتناصر بدلاً من التناحر، والأمن بدلا من الخوف، والعمار بدلاً من الدمار.

فالأمر يتطلب فعلاً حقيقياً في اتجاه حلول سياسية ومصالحات وطنية عادلة دون القبول بتدخلات أجنبية غربية في فلسطين وسوريا وليبيا والعراق وفي الصومال وفي اليمن والسودان لبنان، بل وفي كل مكان يدور فيه النزاع أو ينقطع فيه حبل التواصل والحوار بين عربي وعربي، وبين مسلم ومسلم، وبين مسلم وعربي

وكل قول وفعل في اتجاه الإعداد لتحرير الأقصى والقدس وفلسطين وكل أوطان المسلمين من الغزاة المحتلين، وكسر الحصار عن المحاصرين، وإغاثة كل المحرومين، ونصرة كل المظلومين في بلاد المسلمين، وتحريم وتجريم الاقتتال الأهلي والانقسام الوطني والخلاف السياسي والمذهبي في أوطان المسلمين..

نتمنى أن يكون وقفة ما بعد العيد هي وقفتنا مع ضمائرنا، نستعيد فيها حكمة العبادات التي تترجمها المعاملات وتوجهها العقائد بأن المؤمنين أخوة وأن المسلم أخو المسلم لا يقاتله ولا يتحالف مع غير المؤمن كيداً له، وأخيراً، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره وينصره ظالماً أو مظلوماً ولا ينصر عليه عدواً لهما معاً.وقفة للتسامح والتعاون المتبادل بين المسلمين والمسلمين على اختلاف أوطانهم وقومياتهم ومذاهبهم لتأكيد أننا مسلمون حقاً وأننا أمة واحدة حقاً، فلا يصح أن يتعامل معنا أعداء الإسلام على أننا أمة واحدة بينما نتعامل نحن مع العالم باعتبارنا أمماً متعددة لا واحدة!!

أوجه هذا النداء استجابة لرسالة القارئ الكريم »أبو شديد« في تعليقه الواضح الرؤية على مقال الجمعة الماضية والتي حملت نداءة إلى التوحد في مواجهة المؤامرة على الأمة نصها:

»بعدما انكشفت المخططات الصهيو أميركية، وافتضاح أمر التنظيم الدولي لـ الأخوان المسلمين وحقيقة أهدافه، وبعدما سقطت الأقنعة عن وجوه دول بعينها، وانكشفت عمالاتها وخيانتها لـ الأمة العربية والإسلامية، ينبغي علينا الآن الكلام عن الوسائل والأساليب والإجراءات المطلوب عملها كي تتصدى الأمة العربية لهذه الحرب الشرسة، بحيث أن تكون الإجراءات أهداف مشتركة مطلوب تحقيقها، لأنني بصراحة أرى أن محاولة كل دولة في التصدي لهذه المؤامرات بمفردها، دون التعاون مع باقي الدول ستواجه الفشل، وأستشهد على ذلك بما حدث في مصر على إثر اندلاع ثورة المصريين في 30 يونيو فلولا وقوف الإمارات والسعودية والكويت على رأس دول أخرى بجانب مصر، فما كان أن يكتب للثورة النجاح، إن المشروع المعادي لا يزال قائماً، ودول كثيرة تلعب في أراضينا، والمحاولات لا تتوقف، والأمر جد خطير على مستقبل العرب، ومن الضروري وجود خطة عمل عربية إسلامية مشتركة للتصدي، صدقني يا سيدي، نحن داخلين على أيام في غاية الصعوبة، لن يتركونا في حالنا، بل توقع المزيد والجديد وعلينا المواجهة موحدين«.