هل هناك من يسعى لتوريط مصر والإمارات في المستنقع الليبي؟ ما جرى الأسبوع الماضي من إطلاق شائعات تفيد بأن مصر والإمارات كانتا وراء الطائرات المجهولة التي ضربت مواقع للميلشيات الليبية، يؤكد بالفعل أن هناك من يقف مترصداً البلديين العربيين، انتقاماً من مواقفهما العروبية بداية.
وثانيا لرفضهما استئثار فصيل ديني مزيف بمقدرات الحكم في العالم العربي، بل ويكشف ما هو أبعد وأعمق، أي وجود تأثير لجماعة الإخوان وإعلامها غير الصادق، على صناع القرار في واشنطن حتى الساعة!
في البداية كان تصريح «جين ساكي» المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، والذي أشارت فيه إلى أن الإمارات ومصر نفذتا في الأيام الأخيرة ضربات جوية في ليبيا. وفي الوقت ذاته، كان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» الأميرال جون كيربي، يصرح بأنه «يعتقد أن الدولتين نفذتا الضربات».
غير أنه وأمام المواقف الإماراتية المصرة والصريحة التي نفت التصريحات الأميركية، وجدنا تراجعاً مخزياً ومضطرباً إلى أقصى حد من الجانب الأميركي، لا سيما بعد أن عادت الطائرات المجهولة عينها فجر الخميس الماضي، لتحلق في سماء ليبيا، وتقصف عدة مواقع في العاصمة طرابلس.
تراجعت «جين ساكي» عن تصريحاتها السابقة، وقالت عبر «تويتر»، إنها كانت تشير إلى التقارير التي تتحدث عن اتهام مصر والإمارات بضرب مواقع ليبية، موضحة أنها قصدت أن تتحدث عن الدول التي يقال إنها تدخلت في ليبيا عسكرياً.
أما المتحدث باسم السفارة الأميركية في القاهرة «مفيد الديك»، فصرح بأن واشنطن «لم توجه أي اتهامات لمصر أو الإمارات، وأن ما قالته ساكي ليس معناه أنها تؤكد ذلك، أو تتهمهما بذلك، بل إن الترجمة للعربية هي السبب في هذا اللغط».
وهنا نتساءل: أليس في هذا المشهد ملهاة تقترب من حدود المأساة؟ أن الولايات المتحدة التي حددت مكان وزمان قتل الصحافي الأميركي جيمس فولي، عبر صور الظل التي حصلت عليها من أقمارها الاصطناعية التي تدور حول الأرض طوال الأربع والعشرين ساعة.
والقادرة على التنصت على البشرية بكاملها عبر وكالة NSA، غير قادرة على أن تحدد بيقين ما إذا كانت طائرات مصرية أو إماراتية قد قصفت ليبيا! ولعل أفضل تصريح كشف حقيقة ما وراء التصريحات الأميركية المستندة إلى التقارير الإخوانية المنحولة، كان تصريح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، الذي اعتبر أن «محاولة إقحام اسم الإمارات في الشأن الليبي، هروب من مواجهة نتائج الانتخابات في ليبيا والشرعية التي أفرزتها».
والحقيقة التي أكد عليها قرقاش، هي أن زج اسم الإمارات ومصر مصدره واحد، وهو التيار الذي أراد من خلال عباءة الدين تحقيق أهدافه السياسية.
فلماذا تنساق واشنطن وراء الإخوان من جديد؟ الجواب يبدو واضحاً، وهو أن السبل لم تنقطع بينهم، ولا يبدو أنها ستتقطع في المدى القريب، بل إن الأمر يؤكد أن واشنطن ربما تسعى عبر إشاعة «الفوضى المصطنعة»، إلى تحقيق ما فشلت في تحقيقه عبر إيصال وترفيع الإخوان وأتباعهم إلى مقاعد الحكم، في دول ما سمي كذباً وبهتاناً «الربيع العربي».
ويلفت الانتباه أنه في الوقت الذي تتحول فيه ليبيا إلى جحيم مشتعل، فإن الأميركيين والأوروبيين يتحدثون عن حتمية عدم التدخل في ليبيا من قبل أي قوى خارجية، والذريعة هنا هي أن أي تدخل سوف يقوض التحول الديمقراطي في البلاد! فهل يريد الأميركيون وحلفاؤهم اقتتال الليبيين حتى آخر رجل، أو لحين ظهور فريق ثالث يسود على الطرفين المتقاتلين، أي الحكومة الليبية الشرعية والميلشيات؟ وهل هذا هو النموذج الديمقراطي الأميركي الذي نرى تجربته السابقة في العراق؟!
كارثة العقد الحالي والقادم، تتمثل في واشنطن المضطربة والحائرة، والتي تقود العالم إلى سلسلة متصلة من الأزمات.
وفي ما خص الشرق الأوسط والعالم العربي، ربما أتت الساعة ليهتم الإقليم بنفسه، ويعيد العرب للعروبة معناها ومبناها في تحالفات حقيقية لا شكلية، لا سيما إذا اشتعل المشهد في أوكرانيا، فساعتها لن يكون للأميركيين ولا للأوروبيين وقت أو اهتمام بالشرق الأوسط أو بالعرب.. والخلاصة من جديد، طرح القضايا المصيرية يبدأ من الذات، وليس من الآخرين.