لا نستطيع أن نخفي على أنفسنا أن وطننا العربي من محيطه إلى خليجه وبمسلميه ومسيحييه، وأن أمتنا الإسلامية من المحيط إلى المحيط بعربها وكردها وسنتها وشيعتها، تواجه تحت اسم «الربيع» الملغوم والمزعوم وبشعارات ديمقراطية خادعة، حرباً استعمارية شاملة للغزو من الداخل بتخطيط من الخارج، متتالية المراحل ومتعددة الجبهات ومتنوعة الأسلحة والأدوات الإرهابية.

هذه الحرب المفتوحة الحالية كانت في الأساس من فلسطين إلى فلسطين، تطويراً لمؤامرة «سايكس بيكو 1»، التي احتلت بموجبها بريطانيا وفرنسا الوطن العربي في إطار تقسيم النفوذ الاستعماري، فتمزق الوطن إلى أجزاء، واغتصبت بموجبها فلسطين وزرعت فيها القاعدة الاستعمارية الصهيونية (إسرائيل)، وجاءت تنفيذاً لمؤامرة «سايكس بيكو 2» التي بدأت عام 1974 بعنوان «السلام والديمقراطية»..

وفيها دفع لبنان والمقاومة الفلسطينية الثمن الدامي، وتطورت عام 2003 بعنوان «الديمقراطية ومحاربة الإرهاب»، وبها تم احتلال العراق لتدمير جيشه ومقدراته وتقسيمه إلى ثلاثة كيانات عرقية ومذهبية وطائفية، كبداية لإعادة تقسيم الدول العربية إلى أشلاء، لإعادة فرض السيطرة عليها، ولإبقاء إسرائيل القوة الأكبر تحت الهيمنة الأميركية.

وهذا ما شهدناه بوضوح على مدي السنوات العشر الماضية، من لبنان إلى فلسطين، ومن لبننة العراق إلى عرقنة سوريا وبالعكس، في مرحلة ما بعد حرب أكتوبر 1973. وهو أيضا ما شهدناه بوضوح أكثر على مدى السنوات الأربع الماضية، من أحداث فوضوية دامية في مصر وليبيا وسوريا واليمن في مرحلة تالية، تحت علم الثورة الديمقراطية ضد الدكتاتورية تارة، وتحت علم الجهاد الإسلاموي الإخواني ضد الديمقراطية تارة أخرى..

وذلك وفقاً للمشروع الصهيو أميركي، الذي صيغ عقب الانتصار العسكري العربي في حرب العاشر من رمضان لجيوش دولة «اتحاد الجمهوريات العربية» بعضوية مصر وسوريا وليبيا، وبمشاركة الجيوش العراقية والجزائرية والسودانية واليمنية والمغربية على الجبهتين المصرية والسورية، وبدعم إماراتي- سعودي- كويتي- خليجي حاسم بقطع البترول عن أميركا والدول الغربية المساندة لإسرائيل.

تلك الحروب الأهلية والإرهابية، والثورات الفوضوية المقررة خارجياً والمبررة داخلياً، استهدفت إضعاف وإعادة تقسيم الدول الرئيسة العربية بتفكيك جيوش العرب، بالغزو العدواني الصهيو أميركي المباشر كما حدث في العراق وليبيا، أو بالوقيعة مع شعبها أو مع أدواتها الإرهابية بالتدخل غير المباشر ..

كما يحدث في سوريا واليمن. والهدف من كل تلك الحروب الأهلية والهجمات الإرهابية، هو حماية إسرائيل من مواجهة هزيمة عسكرية جديدة على أيدي الجيوش العربية، بإغراق هذه الأمة في أتون الصراعات الأهلية والفوضى السياسة، وتحويل دولها الرئيسة إلى دول فاشلة..

كما هو ظاهر الآن في العراق وليبيا واليمن وسوريا! وفي إطار هذا المخطط الاستعماري الشرير، أصبحت الحرب الإعلامية أحد أهم أسلحة المؤامرة، وظهرت لنا فضائيات وصحف ناطقة بالعربية،..

بينما تحمل مضموناً إعلانياً لا إعلامياً، وتحمل اسماً عربياً وتوجهاً غربياً، والهدف من كل تلك الأبواق الرخيصة في أجهزة إعلام مأجورة ممولة من دول تابعة أو مأمورة، هو التخديم الدعائي على الأجندة الصهيو أميركية بأدواتها الإرهابية، لتضليل الرأي العام العربي الذي أصبح واعياً لكل تلك الأبواق، مهما تخفت وراء الشعارات الدينية أو السياسية!

كل ذلك يجري، بينما الواقع العربي الآن أصبح بتداعيات الربيع الكاذب، باعثا على الأسي بانقساماته وصراعاته، وبميليشياته السياسية التي ترفع زيفاً علم الثورة، والمذهبية التي ترفع كذبا راية الجهاد، والعرقية التي تحركها مؤامرات التقسيم، والمناطقية التي تدفعها نزعات التعصب..

وعلى الأخص في ظل تداعيات الربيع الغربي لا العربي، الذي كان في الواقع تنفيذا لسياسة الفوضى الهدامة وغير الخلاقة، التي تسلحت بكل الأدوات الإرهابية الفوضوية والتدميرية الإعلامية والسياسية والمذهبية، وتخفت بأغطية إسلاموية كاذبة، وبدعاوى ثوروية زائفة، وبشعارات ديمقراطية وحقوقية مغشوشة.

وفي ظل هذا الخريف العربي لا الغربي، الذي مرت من تحت غيومه ورياحه وزوابعه، وتمددت في فراغ انقساماته وخلافاته ومكايداته، «مؤامرة الربيع» الصهيو أميركية على الدول العربية السبع التي ضربت جيوشها الوطنية، لا ميليشياتها الإرهابية، نظرية الأمن الصهيوني في حرب أكتوبر المجيدة عام 73. لا بد من كشف الحقائق ومواجهة الأكاذيب، وتصحيح المعادلات المختلة في العقول المحتلة.