تنظيم «داعش» هو القاسم المشترك في المؤتمرات واللقاءات والأخبار في العالم، وكأن العالم اكتشف فجأة سراً جديداً، وبدأ ينظم صفوفه لمواجهة هذا العدو الذي أتاه بغتة. ويعقد اجتماعاً إقليمياً لوزراء الخارجية في دول المنطقة، يشارك فيه جون كيري وزير الخارجية الأميركي، بهدف بناء تحالف دولي ضد تنظيم داعش، وتعهد ببناء ائتلاف يضم أكثر من أربعين دولة، ويستمر لسنوات. لكن القضية تبدو محيرة أكثر،.

حينما يتساءل كثيرون ما هو داعش؟ وطبعاً أول ما يتبادر إلى الذهن، هو الربط بنظرية المؤامرة. فهناك من يزعم أن «داعش» صنيعة أميركية، ويأتي آخر ليقول إنها إيران، ويعترض ثالث بأنها وليدة النظام السوري لإشغال العالم عن الثورة السورية. والحديث عن داعش أصبح غامضاً، لأنه يمزج ما بين الأسطورة والحقيقة، وتسهم في ذلك ثورة الاتصالات وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي.

ويمزج داعش بين الأحلام الخيالية للخلافة الإسلامية، ويلقي كلمته في جموع المسلمين بأسلوب درامي محبوك. استخدام الصورة والتأثير والكلمة، أسلحة يستخدمها داعش، عدا عن الصورة المفزعة لقطع الرؤوس والتصفيات الجسدية، والتي هزت الرأي العام العالمي.

وداعش كتنظيم يثير تساؤلات أكثر مما يعطي أجوبة، وهو يملك في تركيبته وصفة فنائه. فبدلاً من أن يسقط النظام السوري لكي يحقق الإنجاز الذي يعطيه صبغة حقيقية على الأرض، ترك المهمة الأساسية وذهب في صراعات مع حركات جهادية أخرى، وانتقل إلى العراق، وفتح جبهات مع كل الأطراف العراقية ومع الدول المجاورة، في مسلسل يسرع نهايته. ويمارس نفس الأساليب التي تتفنن فيها الحركات الأصولية، من خلال اقتطاع النص وترك المتن، بحيث يجزئون نصوصاً وأحاديث دينية خارج سياقها.

ويكشف اجتماع جدة عن جدية العالم في مواجهة الداء السرطاني للحركات الإرهابية، والتي يدفع ثمنها في الأساس المسلمون.

فالإحصاءات تكشف أن معظم ضحايا الحركات الجهادية المتطرفة هم من المسلمون أنفسهم. وكان العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين أطلق تحذيراً واضحاً ورسالة لكل قادة العالم للتحذير من خطورة الإرهاب، وأن هذا الحريق سوف ينتقل إلى أوروبا وأميركا. وهو الذي دعا إلى مواجهة الإرهاب والعمل على إخلاء المنطقة من شروره ومخاطره.

المواجهة مع داعش قادمة، ونهاية داعش حتمية، فهو يملك بذور نهايته في تركيبته. لكن القضية لن تنتهي عند تصفية داعش، فهناك معطيات جديدة ستنشأ من هذه الحرب، خاصة أن التقاطعات الموجودة في المنطقة أصبحت متداخلة بشكل يصعب معه حل مشكلة لوحدها، دون أن تتداخل مع مشاكل وجهات أخرى.

وهذا يتطلب استراتيجية لا تقف عند تصفيه داعش، بل تتجاوزها إلى ما بعد ذلك، وكيفية تعامل دول العالم مع كل الحركات المتشددة التي تستخدم الإرهاب للوصول إلى غاياتها.

الإرهاب ليس داعش فقط، فهناك حركات متطرفة في سوريا والعراق، وكلها لديها نفس الأجندة، ولا تخفي نواياها ورغباتها الدفينة، واستراتيجية مكافحة الإرهاب ليست مسؤولية دولة واحدة فقط. فحينما صرح الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه ليست لديه استراتيجية واضحة للتعامل مع داعش، أثارت هذه العبارة استهجان كثيرين، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، وانتقدها رجال الحزب الجمهوري.

وقال جون ماكين إن الرئيس ليست لديه استراتيجية لإلحاق الهزيمة بداعش، وإن الإدارة الأميركية لا تمتلك سياسة محددة لمواجهة التهديدات التي تصفها أجهزة الاستخبارات الأميركية بأنها تمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي الأميركي. ويبدو أن الوضع الجديد يفرض التغيير في سياسة التعامل، وأهمية وجود استراتيجية موحدة لمحاربة الإرهاب.

فإذا كان العالم شعر الآن بخطورة داعش، فكيف سيتم التعامل مع مسببات الإرهاب؟ فالإرهاب الذي كان يصنف على أنه القاعدة وأسامة بن لادن، تغير إلى ما هو أسوأ، وأصبح أبو بكر البغدادي وداعش الذي انتقد عنفه وأسلوبه المتطرف حتى أصحاب الفكر القاعدي. وهذا يعطي رسالة بأن المواجهة العسكرية مع القاعدة ربما نجحت.

ولكن لم تتم محاصرة الفكر الإرهابي ومسبباته. النظرية التي كانت تقول اتركوا الإرهاب يصفي بعضه بعضاً، أثبتت فشلها. فالقوى الكبرى كانت تدرك وتراقب ما يحصل في سوريا والعراق.

ولكنها نأت بنفسها طالما أن العنف والنزاعات الطائفية داخل حدود هذه الدول وبعيداً عن حدودها ومجتمعاتها، لتكتشف أن الإرهاب ينتشر بالفكرة قبل السلاح، ويصل لمجتمعاتها وداخل حدودها، وتنبهت أن المئات، بل الألوف من مواطنيها اتجهوا للقتال في هذه المناطق، وأصبحوا يشكلون قنبلة موقوتة في حالة عودتهم إلى بلدانهم.

داعش هذا المارد المفاجأة، أربك حسابات المنطقة، وجعل دول العالم تلتفت بجدية إلى الأوضاع الداخلية في المنطقة، فسياسية التجاهل أدت إلى وضع سيئ، وقادت المنطقة إلى وضع متأزم وقابل للانفجار دولياً. وربما يكون اجتماع جدة رسالة واضحة للعالم بأن الإرهاب ليس له وطن ولا دين ولا جنسية، وبالتالي، فمهمة محاربته ليست إقليمية، بل دولية، وتنطلق من المسببات، وليس فقط من الأعراض.