هل يمكن للأمم والشعوب أن تعيش على حد السيف مرة وإلى الأبد؟ إسرائيل وحدها في العالم كله تسعى لذلك.. لماذا هذا الحديث الآن؟ وسط زحمة الأحداث التي تجري في الشرق الأوسط جراء داعش وأخواتها، وأحاديث اوباما غير الاستراتيجية بالمرة وأوهامها، ظهرت على السطح عدة أخبار تتناول حال ومآل الدولة العبرية، لم يلتفت إليها بما يجب من اهتمام.
الخبر الأول تمثل في قيام إدارة أوباما بنزع السرية القصوى عن الوثائق التي مضى عليها نحو 45 عاماً، وتتعلق بالاتصالات التي جرت بين واشنطن وإسرائيل، والموافقة الأميركية على وجود مشروع نووي اسرائيلي.
الوثائق تعود إلى فترة رئاسة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، والمفاوضات التي دارت بينه وبين رئيسة وزراء اسرائيل في تلك الفترة، غولدا مائير، والخاصة بالموافقة على انتقال اسرائيل من مرحلة ما يسمى امتلاك «الخيار التقني»، إلى مرحلة امتلاك «السلاح النووي».
وأهمية هذا الخبر تتمثل في أنه يعكس حالة القلق الوجودي التي تعيش اسرائيل في اطارها، الأمر الذي يدفعها للبحث عن وسائط القوة تقليدية كانت او نووية، للاحتماء بها منذ البداية وحتى الآن.
الخبر الثاني والمهم جداً بدوره، هو استلام اسرائيل في الأيام القليلة الماضية، للغواصة الألمانية الجديدة «التنين»، وهي الرابعة التي تمتلكها اسرائيل من هذا الطراز الأكثر تقدماً، وقد أبحرت من ميناء مدينة «كيل» الألمانية، حيث تم بناؤها في بحر الشمال، لتصل إلى مدينة حيفا على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
والغواصة التنين وأخواتها، تمثل لإسرائيل اهمية خاصة، لأنها بجانب قدرتها على حمل وإطلاق صواريخ تقليدية، تستطيع ايضا حمل صواريخ ذات رؤوس نووية، والمعروف ان اسرائيل ترتب أوراقها الهجومية عبر هذه الغواصات، على اساس احتمال تدمير قواعدها في البر تقليدية كانت او نووية.
ويعكس هذا الخبر دلالات معينة، في المقدمة منها الازدواجية الغربية في تصدير السلاح للعالم، لا سيما وأن هناك جدلاً قائماً في ألمانيا نفسها، حول تصدير الأسلحة لمناطق النزاعات، ومع ذلك تصدر لإسرائيل أحدث الغواصات النووية.
أما الأمر الآخر فهو أن إسرائيل تجيد فن المقايضات التاريخية، فالغواصات الألمانية ليست إلا ضريبة جديدة فرضتها تل ابيب على الألمان، تكفيراً عن تزويد شركات ألمانية للعراق بمعدات قيل إنها استخدمت في برنامجه للأسلحة البيولوجية.
وانطلاقاً من شعوره بالذنب، وافق وزير خارجية ألمانيا في أوائل التسعينات «هانز ديتريش غينشر» على طلب إسرائيل الخاص بشراء غواصتين متطورتين. هل ضمنت تلك الأسلحة النووية لإسرائيل الأمن والاستقرار؟ ثلاث روايات وشهود يؤكدون أنه «ليس بالنووي وحده تحيا الأمم والشعوب»، بل على العكس من ذلك، قد تكون هذه أداة لغرور القوة الذي يؤدي إلى أفول الإمبراطوريات.. ماذا عن ذلك؟.
في خضم الهجومات الإسرائيلية على غزة، كتب الصحافي الأميركي «كلايتون سويشر» على صدر صفحات «هافنغتون بوست» الأميركية، تحت عنوان «اضمحلال إسرائيل مسألة وقت»، يقول: «إن وضع اسرائيل الحالي وعداءها لجيرانها ومن حولها، سيجعلها عرضة لجحافل من الثوار والجهاديين من كافة الاتجاهات..
هؤلاء الذين تمرسوا على القتال في افغانستان وباكستان والعراق ومصر، وأجادوا أداء الهجمات الانتحارية السوداء، وصناعة العبوات المتفجرة».
والتساؤل الذي يطرحه «سويشر»؛ كيف ستتعامل الدولة التي تبدو عصية على القهر مع هذا الوضع؟ والجواب عنده أن معظم شبابها ومواطنيها الطموحين العاملين في قطاع التقنية العالية، سيفرون إلى أوروبا أو إلى أماكن اخرى أكثر أمنا، مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا، ولن ينفع اسرائيل افضل ما لديها من سلاح، بما في ذلك السلاح النووي، ولن تغني عنها اجهزتها الاستخبارية شيئاً.
«سيمحا جاكوبفيتشي» صحافي ومخرج سينمائي اسرائيلي كندي، حذر من جهته في مقاله المنشور على صفحات «تايمز أوف اسرائيل» والمعنون «العد التنازلي لتدمير اسرائيل»، من ان تغير الموقف الأميركي من اسرائيل أمر يعجل بنهايتها، فكتب يقول: «إذا كنت تعتقد أن موقف الرئيس أوباما فاتر تجاه اسرائيل، فسوف يأتي يوم، وهو ليس ببعيد، يبدو لك فيه أوباما وكأنه من اليمين الصهيوني المتطرف، مقارنة بالأشخاص الذين سيجلسون في البيت الأبيض من بعده».
وينهي بقوله: «هذا ليس خيالاً علمياً، هذا علم. إذا كان العالم يراك كدولة إبادة جماعية، فإن قادته سوف يسعون إلى تدميرك».
هل إسرائيل تنزلق نحو الفاشية بالفعل؟ هذه هي القراءة الثالثة التي يشير إليها «ميشيل فارشافسكي» ناشط السلام الإسرائيلي، عبر عدة وسائل إعلام داخل إسرائيل وخارجها، والتي يقر فيها بأن «دولة اسرائيل تتحول الآن إلى دولة توتاليتارية، إذ يمتد القمع المسلط على الأقلية الفلسطينية إلى المنشقين الإسرائيليين»، ويضيف: «إرهاب الأصوات المنشقة ومنع المعارضة من التعبير واكتساح مكاتب منظمة حقوق الإنسان، يحمل اسماً واحداً هو الفاشية، إسرائيل أصبحت بخطى واسعة مجتمعاً فاشياً».
ألا يحق لنا أن نتساءل؛ ما نفع أسطول إسرائيل النووي الجديد، عطفاً على رؤوسها النووية القديمة، أمام ثلاثية الاضمحلال والعد التنازلي والفاشية، التي تتراءى أمام ناظري تل أبيب في وقت قريب؟.