من مؤتمرات القاهرة وجدة في الشرق، إلى نيوبورت وباريس ونيويورك في الغرب، أضحى الإرهاب تحت كل الأسماء والأسباب في الشرق خطرا عالميا لا يهدد دول المنطقة فقط، بل والغرب أيضا، بعدما خرجت الجماعات الإرهابية عن النص، بعد أن سلحها ودربها ومولها الغرب...
فانقلب السحر على الساحر! وخاصة بعدما طالت سكاكين الإرهاب بأيدٍ غربية رقاب الرهائن الغربيين، بحيث ذبح إرهابيو «داعش» في العراق وسوريا اثنين من الرهائن الأميركيين وأحد البريطانيين في مشاهد غير إنسانية بشعة، تنافي الأخلاق العربية وتناقض القيم الإسلامية، وبعدما تصاعدت مخاوف الغرب من عودة الإرهابيين الأوروبيين والأميركان لتهديد بلدانهم، بعد انتهاء مهمتهم في الشرق!
فقد اجتمعت دول الجوار العربي الإفريقي في القاهرة لوضع استراتيجية سياسية وأمنية لمحاصرة ومكافحة التهديد الإرهابي الميليشياوي التكفيري المصدر من ليبيا، في ظل تخاذل أميركي وغربي عن مكافحة الإرهاب الذي أطلقته الحرب الأطلسية ضد ليبيا، وتقاعس أطلسي عن دعم الشرعية الليبية ممثلة في البرلمان وفي الحكومة المكلفة من البرلمان المنتخب لإدارة السلطة التنفيذية!
وبينما أقرت دول الجوار الليبي المبادرة المصرية لحل الأزمة، وأصدر مجلس الأمن الدولي قرارا يتكامل مع هذه المبادرة القائمة على دعم وحدة وسيادة وسلامة الأراضي الليبية، ودعم السلطة الشرعية الديمقراطية لإعاة بناء مؤسسات الدولة الليبية وفي مقدمتها الجيش الوطني، والعمل على وقف تدفق الإرهابيين والتمويل والسلاح المهرب من وإلى ليبيا، ونزع سلاح الميليشيات الإرهابية، وتحقيق المصالحة السياسية عبر مؤتمر للحوار الوطني..
لم تكتف دول الناتو التي دمرت الجيش الليبي وحولت ليبيا إلى اللادولة، وإلى بؤرة تصدر الإرهاب لجوارها عربيا وإفريقيا، بالتخاذل والتقاعس عن إزالة الآثار السلبية لتدخلها، بل أصدرت بيانا يوم انعقاد المؤتمر تحذر فيه الدول المجتمعة في القاهرة بمشاركة الحكومة الشرعية الليبية، من التدخل في الشئون الليبية، فيما تطوعت دوائر صحفية أميركية بترويج شائعة مغرضة عن توجيه ضربة جوية مصرية إماراتية ضد الإرهابيين، ورددتها مصادر رسمية أمريكية للتشويش على جهود عربية وإفريقية لحل الأزمة والتصدي للإرهاب!
ويخشى الكثيرون من تكريس السعي الأمريكي لإقامة تحالف دولي ضد الارهاب، لتصعيد الأزمات بدلا من حلها تحت لافتة محاربة الإرهاب، كبداية لإشعال المنطقة بأكملها استكمالا لمخططات قديمة لم يتم استكمال تنفيذها. ولأن الاستراتيجية الأميركية تجاه الإرهاب جزئية وليست شاملة، وانتقائية وانتقامية، حيث تختزل الإرهاب في «داعش» فقط، متجاهلة إرهاب النصرة بنت داعش وحفيدة «القاعدة» الإرهابية..
ومتعامية عن إرهاب الإخوان في مصر والتكفيريين في سيناء، والميليشيات الإرهابية في ليبيا واليمن، فإن الشكوك لدى البعض قد تكون لها مبرراتها، وإن كان الأمر يحتاج لدراسة الواقع الميداني ومتابعة تطوراته، لأن ما يفعله تنظيم داعش يثير مخاوف لا حدود لها.
ومصر التي عانت من الموقف الأميركي السلبي تجاه ثورتها على حكم الإخوان المسلمين العام الماضي، ترى أن الإرهاب لا يتجزأ، وتصر على ضرورة مكافحة الإرهاب بصورة شاملة وليست جزئية، وبوسائل سياسية وأمنية وفكرية واقتصادية، وليس بالوسيلة العسكرية فقط، وبقواعد القانون الدولي وتحت مظلة الشرعية الدولية.
ومع أن الشرق والغرب يعتبران «الإرهاب» خطرا عليهما معاَ، إلا أن لكل منهما مفهوما مختلفا للإرهاب، وأهدافا ووسائل مختلفة في محاربته، تنطلق من مبادئه لتحقيق مصالحه المعلنة والخفية..
وهذه هي المشكلة التي يعاني منها المجتمع الدولي منذ أكثر من عقد مضى، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في نيويورك وواشنطن، والتي انطلقت بعدها الحملة الأميركية ضد الإرهاب، وكثرت المطالبات والإلحاحات من العديد من الدول والجهات بضرورة الجلوس للاتفاق على وضع مفاهيم محددة للإرهاب الدولي حتى يتسنى جمع القوى الدولية لمكافحته، ولكن حتى الآن لم تتحقق هذه المطالب..
وما زالت الازدواجية والانتقائية في تحديد مفهوم الإرهاب قائمة، الأمر الذي يجد تأثيره في صعوبة حشد إجماع دولي ضد هذا الخطر الداهم، الذي يهدد المجتمع الدولي برمته.