لم يكن أكثر إثارة وربما غرابة من تجمع دبلوماسيين ومحللين وإعلاميين من دول مختلفة في قاعة واحدة في الرياض ليلقي كل اللوم على الآخر.

فمؤتمر الخليج العربي والتحديات الاقليمية الأسبوع الماضي كان مناسبة لاكتشاف حالة قلق وعدم وضوح للمرحلة المقبلة في المنطقة.

ووضح التباعد في الطرح حسب جنسية المتحدث الذي يفسر ويحلل الواقع من خلال منظور دولته السياسي رغم أن بعضهم كانوا من مراكز أبحاث ومحللين وليسوا مسؤولين حكوميين.

وكان القاسم المشترك في أوراق المؤتمر داعش والإرهاب. فعضو مجلس الشيوخ الفرنسي ناتالي جوليه بدأت بهجوم حاد على الولايات المتحدة وحملتها مسؤولية ما يحدث، والتفتت إلى السفير الأميركي في الرياض جوسيف ويستفال الذي كان بجوارها على منصة المتحدثين وقالت: إن الولايات المتحدة هي المتسببة في هذا الوضع.

وأضافت أن غياب القيادة للولايات المتحدة وأوروبا خلق فراغاً أدى إلى نشوء حركات إرهابية عابرة للحدود، وكان السفير دبلوماسيا في عباراته وتحدث بعمومية عن التزام الولايات المتحدة بأمن واستقرار المنطقة.

فيما كان صائب عريقات في الصف الأول يصرخ أن القضية هي فلسطين، وأن العالم يتكلم عن داعش وينسى القضية الأساسية. سفير الصين في السعودية لي تشنع ون تعرض لوابل من الأسئلة والانتقاد لموقف الصين من القضية السورية. وكانت ردوده على الطريقة الصينية الهادئة، نؤيد الحل السياسي.

«موزاييك» جمعتهم قاعة الملك فيصل للمؤتمرات في الرياض. والجميع يتحدث وماذا بعد؟ هذا السؤال الذي أصبح ملحاً الآن.

هزيمة داعش العسكرية محسومة، لكن هناك نتائج وتبعيات، أي كما يقال في التعبير السياسي (في اليوم التالي) ماذا سيكون الوضع؟ وهل التخلص من داعش سيفتح المجال لجماعات متطرفة أخرى بالظهور لوجود فراغ؟ ومن سوف يملأ الفراغ على الأرض؟ فالوضع متداخل وهناك قوى تتشكل في ظل تراجع أو غياب كيان الدولة.

فوصف الدولة الفاشلة أصبح ينطبق على كثير من الدول في المنطقة. وهناك شبه إجماع بعدم قبول وجود قوات أجنبية على الأرض.

وكان واضحا أن طريقة إدارة الأزمة في سوريا هي التي أفرزت الوضع المعقد الحالي، كما أن سياسة الحكومة السابقة في العراق التي أذكت الحس الطائفي ومارست سياسة التهميش والإقصاء ساهمت بتعزيز النزعة الانفصالية في العراق وشعور جزء كبير من الشعب بالغبن نتيجة هذا التهميش.

ودائما ما تبحث الجماعات الإرهابية عن بيئة مهيأة لقيامها؛ فحينما تضعف الحكومة المركزية وتنشغل بتأمين نفسها وحماية مصالحها الذاتية فهي ضمنياً تعطي إشارة إيجابية لهذه الجماعات للتطور وتصبح أراضيها ذات جاذبية للمتطرفين والإرهابيين من أي جنسية كانت.

ومن الواضح أن التوجه الدولي الآن قوي تجاه التخلص من داعش؛ فمؤتمر جدة وعقبه اجتماع باريس أعطى رسالة حاسمة أن العالم يتكتل بشكل قوي لمحاربة هذا الارهاب.

وهناك حديث عن دور تركيا وموقفها تجاه التحالف الدولي ضد داعش، أحدهم قال إن هناك مسؤولية تركية فالثغرات الموجودة في الحدود التركية أكثر من الثقوب الموجودة في الجبنة السويسرية.

ويقصد دخول العناصر المنضمة الى الجماعات المتطرفة من خلال الحدود التركية.

والسؤال الذي يطرح، وماذا عن الحركات المتطرفة الأخرى وقد كان واضحا أن تحركات ما يسمى بالإسلام السياسي المتطرف تمثل تحديا قويا لتركيبة دول المنطقة، ضمن أجندة خاصة تستخدم كوسيلة لغايات انتهازية؟ ويعتبر القرار الذي صدر الأسبوع الماضي من هيئة كبار العلماء في السعودية بأن الارهاب يعد جريمة نكراء.

ووضع البيان جميع المنظمات التكفيرية في سلة واحدة والنظر إليها كمنظمات إرهابية خطوة تحسم كثير من اللبس حول تصنيفات هذه المنظمات؛ فهي أكدت أن أعمال الارهاب الصادرة عن داعش والقاعدة وما يسمى بعصائب أهل الحق والحوثيين محرمة ومجرمة.

ولهذا عرج الأمير عبدالعزيز بن عبدالله نائب وزير الخارجية السعودي في كلمته عن التهديد الحوثي باعتباره تهديدا صريحا للدولة اليمنية وتعطيلا للمسيرة السياسية والتنموية وما يشكله من خطر على المنطقة.

فبالنسبة للسعودية قضية الحوثيين هي في خطورتها لا تقل عن داعش باعتبار أنها تتلاقى في الاهداف التي تسعى الى تهديد كيان الدولة وتدمير المؤسسات الشرعية.

الوضع في المنطقة يوصف بأنه بالغ الحساسية، ومن الصعب تجاهل المعطيات الجديدة.

والمطلوب تحقيق توازن إقليمي، وذلك من خلال علاقات متكافئة، كما وصفها الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي «نضمن من خلالها ألا تكون هناك هيمنة إقليمية في منطقة صعبة».

وهذه رسالة واضحة أن الخليجيين لن يقبلوا بتسوية تكون هناك هيمنة لقوة إقليمية خارجية على حساب القرار والمصالح الخليجية.

ويتسبب ضعف النظام الاقليمي العربي في انفلات الاوضاع وغياب القرار الواحد. خاصة بعد ما يسمى الربيع العربي الذي غيب دولا كثيرة عن ممارسة دورها الاقليمي. ورغم الحديث عن مواجهة قوية مع الارهاب إلا أنه من الواضح أن من يتحدث عما بعد ذلك قليل.

وما يحدث الآن يذكرني بنكتة تقول إن شخصاً يقود الطائرة معتمداً على كتيب التعليمات لدليل الاستخدام، وحينما استطاع أن يقلع بالطائرة عاد للكتيب ليقرأ تعليمات الهبوط فوجد الصفحة الأخيرة تقول الجزء الثاني المتعلق بالهبوط سيصدر لاحقاً. فالعالم العربي الآن في حالة حركة متغيرة ولا أحد يعرف بالضبط كيف سيكون الهبوط.