خرج عشرات الملايين من المصريين إلى الميادين الكبرى في ثورة الثلاثين من يونيو يرفضون حكم جماعة الإخوان الظلاميين، ويؤكدون ثقتهم في رجال الجيش المصري الذي كان طليعة الشعب في ثورة 23 يوليو الوطنية، ودرع الحماية للشعب في ثورة يناير 2011 وفي ثورة يونيو 2013. وكان لافتاً للأنظار أن جماهير ثورة 30 يونيو الشعبية رفعت صور الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر قائد ثورة 23 يوليو..

والتي كان الضباط الأحرار في الجيش المصري هم طليعتها الشعبية، وإلى جانبه صور القائد عبد الفتاح السيسي قائد الجيش المصري في تأكيد واضح لثقة الشعب المصري في جيشه الوطني وفي قيادته الشجاعة، وصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دلالة لا تغيب عن رفضهم للتبعية وللسياسة الأميركية تجاه مصر والأمة العربية.

وهكذا كانت الأهداف والمطالب والأماني الشعبية واضحة، باتجاه الحرية السياسية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني وعدم الانحياز والوحدة العربية والكرامة الإنسانية، وهي ما كان مشروع جمال عبد الناصر الوطني والعربي والعالمي تعبيراً واضحاً عنها، ورغم مرور ما يقرب من نصف قرن على رحيل عبد الناصر، ورغم الحملات الدعائية السوداء، إلا أن مبادئه وأهدافه ظلت باقية في ضمير الشعب المصري الواعي الذي خرج يقول للإخوان وللأميركان «مازال هنا عبد الناصر».

وليس سراً أن غياب المشروع الوطني المصري وتعثر المشروع القومي العربي الذي ارتبط بغياب جمال عبد الناصر وبالمحاولات الموتورة والمحمومة المشحونة بالكراهية لتغييب المبادئ الشعبية والوطنية الجامعة لكل مكونات الوطن العربي، هو الذي فتح الأبواب والنوافذ العربية والإسلامية هذه الأيام للاختراق الإعلامي والسياسي الغربي لإحياء الفتن المذهبية والطائفية والعرقية القديمة، بما وفر البيئة لنمو الإرهاب برعاية استعمارية، وإشعال الحروب الميليشياوية كمقدمة أولى للتدخل العسكري الصهيو أميركي العدواني السافر على كل الوطن العربي!

ولهذا، مازال شبح جمال عبد الناصر حتى اليوم مبعث قلق بالغ للدوائر الاستعمارية والصهيونية ومن تبعهما بغير إحسان خوفاً من ظهور ناصر جديد، ولهذا تشتد حملات عملائهم السوداء على الرئيس السيسي منذ ثورة يونيو وحتى اليوم.

فلم ينسوا لعبد الناصر في حياته ولا بعد رحيله أنه القائد الثوري الوطني الذي طرد الاستعمار الانجليزي من قاعدة قناة السويس، محققاً أول أهداف ثورة يوليو المصرية، وهو الذي طارد الاستعمار الفرنسي والبريطاني في المغرب والمشرق العربي وفي الجنوب اليمني والقارة الإفريقية حتى أصبح رمزاً عالمياً لحركات التحرر الوطني.

ولأنه الزعيم الوطني والبطل القومي الذي رفض التبعية أو الانضمام إلى أحلاف استعمارية، والذي استعاد قناة السويس إلى السيادة المصرية من السيطرة الغربية، والذي تصدى بشجاعة مع شعبه وجيشه البطل للعدوان الثلاثي الفاشل عام 56 رافضاً للاستسلام ومصمماً على القتال بدعم عربي وروسي بما أجبر بريطانيا على الانسحاب من الخليج العربي في إطار استراتيجية «شرق السويس».

ولأنه الذي أقام مع سوريا أول وحدة عربية بإرداة شعبية مصرية سورية جارفة، شكلت كماشة لإسرائيل كان لابد من كسرها، وصمم على بناء السد العالي وبدأ مشروعاً هائلاً للتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية في أزهى عملية تحرير للمواطن وللوطن المصري والعربي، وانتصر للثورة اليمنية ليجبر الاستعمار على الرحيل من الجنوب اليمني..

فلقد تكالبت القوى الاستعمارية والصهيونية لإحهاض مشروعه التحرري والتقدمي والوحدوي المصري والعربي. فكانت الضربة القاسية الأولى بالانفصال وجاءت الثانية هي الأقسى بعدوان عام 67 الصهيو أميركي، ومع ذلك خرج الشعب المصري يجدد الثقه بقائده الذي أعاد بناء الجيش المصري ودخل في حرب الاستنزاف الجسورة على مدى سنوات ثلاث قبل رحيله، ما فتح الطريق ليخوض الجيشان الشقيقان المصري والسوري شريكا كل الحروب العربية ضد إسرائيل حرب أكتوبر المنتصرة عام 73.

وبعد غدٍ، تمر علينا الذكرى الرابعة والأربعون لرحيل قائد الثورة المصرية التحررية الأم لكل الثورات المصرية ورائد القومية العربية جمال عبد الناصر الذي ودعته الملايين من جماهير الشعب المصري التي بادلته حباً بحب، وبكته الملايين من جماهير الشعب العربي التي بادلته ثقة بثقة في ذلك اليوم الحزين الثامن والعشرين من سبتمبر.

فصنعت أضخم جنازة شعبية في التاريخ شكّلت أعظم استفتاء شعبي مصري على زعامة عبد الناصر التاريخية التي لاتزال مصدر إلهام لكل الأحرار هنا في الوطن العربي، ولكل الأشرار هناك أيضاً في عواصم إمبراطورية الشر العالمية.