ستتجه الأنظار يوم غد الاثنين الموافق للرابع والعشرين من نوفمبر إلى فيينا. فيوم الغد يمكن أن يكون يوماً فاصلاً ومهماً في مجريات السياسة الدولية..
حيث يمكن أن تتحدد من خلاله معالم مستقبل الأمن في منطقة الخليج العربي. ففي ذلك اليوم سيكون العالم أمام إما اتفاقٍ بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا مع إيران حول برنامج الأخيرة النووي أو لا اتفاق. فما الذي يعنيه التوصل إلى اتفاق أو الإخفاق في التوصل إليه لجميع الأطراف؟
إن التوصل إلى اتفاق يعني أن البرنامج النووي الإيراني سيمضي بسرعة أقل عن السرعة التي كان يسير عليها قبل الاتفاق، وأنه سيكون تحت ضبط الرقابة الدولية للمنشآت المعلن عنها. وعليه فإن الخوف من أن تمتلك إيران السلاح النووي سيتم احتواؤه خلال الفترة التي سيُتفق عليها بأن تكون المدة التي سيسري من خلالها الاتفاق، فالاتفاق لن يأتي من دون أن يُحدد بفترة زمنية معينة مقبولة للجميع.
وعندها فإن المكسب سيتحقق لجميع الأطراف. فالولايات المتحدة وخاصة إدارة الرئيس باراك أوباما ستكون قد تمكنت من تحقيق منجز تستطيع أن تسوقه لنفسها في السياسة الخارجية لدى الرأي العام الأميركي ليعوض حالة الإخفاق التي تعاني منها. وإيران ستتمكن من أن تحصل على رفع للعديد من العقوبات المفروضة عليها من قبل الغرب..
وبالتالي مساعدة اقتصادها المتراجع على تحقيق تقدم مهم وضروري لها، وعندها يعزز النظام السياسي الإيراني من شرعيته في نظر الرأي العام الإيراني..
وكذلك من قوته لاسيما باعتباره قد نجح في الوقوف في وجه الولايات المتحدة وعدم الخنوع لها. أما دول الخليج العربي فيمكن لها أن تتنفس الصعداء من وقف إيران برنامجها النووي المثير للجدل بل وللشبهات من إمكانية أن تمتلك إيران القنبلة النووية خلال على الأقل مدة الاتفاق.
وللأطراف الدولية الأخرى كأوروبا وروسيا والصين فإنها ستتمكن من فتح مزيد من فرص التعاون الاقتصادي مع إيران، الدولة التي يُنظر إليها باعتبارها أرضاً واعدة للاستثمارات الأجنبية.
لكن ذلك يتوقف بالطبع على مدى جدية الاتفاق وجدية التعامل الإيراني معه، حيث لا يمكن لإيران أن تُقدم وعوداً بالالتزام ومن ثم تعمل في السر على تطوير برنامج نووي في منشآت سرية، أو أن لا تتعامل معه بالكامل أو بالشكل المطلوب.
أما عدم التوصل إلى اتفاق فإن ذلك من شأنه أن يدخل المنطقة في تعقيدات لا يمكن أن تصب في صالح الأمن والاستقرار فيها. فإيران ستتجه إلى مزيد من التشدد في موقفها من برنامجها النووي..
وستحصل قيادتها على التأييد الشعبي الداخلي، وتصبح تحذيرات مرشدها التي لطالما كان دائماً يُطلقها ويرددها بعدم ثقته في واشنطن حقيقة لدى الرأي العام الإيراني، ولن يتمكن من يُسمون بالإصلاحيين من الترويج لبرنامجهم، وستزداد شعبية التيار المتشدد على حساب التيار الإصلاحي. بالإضافة إلى ذلك ستتمكن إيران من الحصول على تعاطف دول كبرى لا تتماشى مع الخط الأميركي مثل روسيا والصين..
وتصبح مثل هذه الدول كتلة مناوئة للولايات المتحدة وسياساتها العالمية بما فيها سياستها في المنطقة العربية. بالإضافة إلى أنه سيزداد التوجس الخليجي من نوايا إيران..
وستسعى دول الخليج إلى العمل المكثف على خلق توازن في القوة مع النفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة، مما قد يضر في المسعى الدولي لمحاربة ما يسمى بداعش لصالح التركيز على مواجهة إيران وأذنابها في المنطقة. ويصبح بذلك شبح امتلاك إيران القنبلة النووية حقيقة واقعة لا مفر منها، وسيكون الأمر يتمحور حول سؤال متى يتم ذلك وبأي حجم.
الواقع يشير إلى أن المصلحة العامة تصب في صالح ضبط إيران وسلوكها وليس دفعها نحو العزلة وتركها تعمل ما تشاء من دون ضابط ولا رقيب. فإذا تمكن المجتمعون في فيينا من التوصل إلى اتفاق يضبط برنامج إيران النووي بحيث يضمن عدم تحوله إلى برنامج نووي عسكري فهذا مطلبٌ مصلحيٌ لجميع الأطراف ولاسيما في المنطقة الخليجية.
وإذا ما حدث ذلك فسيكون يوم غدٍ يوم تاريخي في مجريات السياسة الدولية بشكل عام. أما إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يحقق هذا الهدف فعندها سيكون يوم غد يوم مفصلي...
حيث ستنطلق شرارة المواجهة مع إيران، وتصبح كل الاحتمالات قائمة بما فيها أن تصبح إيران نووية أو أن تقوم حرب جديدة في المنطقة. فالآمال تتجه إلى فيينا في أن يتم التوصل إلى اتفاق أو أن يتم تمديد المباحثات، إذا أمكن، إلى فترة إضافية معينة يتم من خلالها العمل المكثف نحو صياغة اتفاق يرضي الجميع.
إن ما يحدث اليوم هو صراع بين فرص نجاح العمل الدبلوماسي أو فشله، والدبلوماسية تعني الوصول إلى حلول ترضي كل الأطراف.
فأي اتفاق إذا ما حدث وأعلن عنه يوم غدٍ سيكون اتفاقاً توافقياً يرضي طموح الجميع وليس طرفاً على آخر، لذلك قد يظهر من لا يعجبه بعض النقاط في الاتفاق، وهذا أمر طبيعي. فيوم غدٍ سيأتي لنا بأحد هذه الخيارات الثلاثة ولا رابع لها: اتفاق، لا اتفاق، أو تمديد. ولعلنا نميل إلى أن تتمكن الأطراف من التوصل إلى اتفاق يضبط إيران وطموحاتها النووية.