في محاولة يائسة بائسة لوقف أي تقدم للحلول السلمية أو السياسية الجارية في المنطقة تصر القيادة الإسرائيلية المتشددة أنها ستعلن إسرائيل أو فلسطين وطناً لليهود فقط.

على أرض الواقع إسرائيل هي كيان عبري صرف، حكومةً وجيشاً وأمناً داخلياً وسياسةً خارجيةً.

ذلك إلا من حفنة من البرلمانيين العرب في الكنيست الإسرائيلي، لذر الرماد في العيون حول ديمقراطية الدولة العبرية لغير اليهود فيها. جل العالم يجد في منطلق أو توجه أو منهجية نتنياهو غرابةً ونشازاً، فكرياً واجتماعياً وحضارياً.

الكينونة شبه الوحيدة التي تقف إلى جانب، أو تتفهم هذا الموقف، هي الإدارة الأميركية بحزبيها الديمقراطي والجمهوري؛ ثمة بفارق بسيط أو لاجوهري. يبدو التوجه هذا وكأنه في عصر تكوين التلمود أو في عصر دولة الفراعنة أو مملكة بابل وملكها نبوخذ نصّر؛ وبناء على رؤية انتقائية ثيولوجية ترتكز على «فكرة الشعب المختار».

دولياً، فإن أكثر الكيانات تأثّراً بالمنهجية «النتنياهوية» الليكودية الإسرائيلية هو المجتمع الأميركي نفسه. دينياً ذلك ما سيشطر أميركا إلى بروتستانت وكاثوليك وأنجليكان ومعمدانيين ويهود ومسلمين وبوذيين وشينتو وشهود جوشْوا وأتباع يهوى والمورمنيين، وغيرهم من أتباع الأديان والمذاهب المكونة للمجتمع الأميركي الفسيفسائي.

عرقياً ووطنياً ستنقسم الولايات المتحدة إلى كانتونات كبيرة وصغيرة، عريضة وضيقة؛ من الأوروبيين والآسيويين والأفارقة والهنود الحمر وبقية العرقيات الأخرى.

لونياً جلدياً هنالك خطوط متعرجة ستُرسم في الولايات المتحدة حول البيض والسُّمر والصُّفر والألوان البحر متوسطية، وما بين ذلك. كل من هذه الكينونات قادرة على بناء دولة مستقلة نقية عرقياً تضاهي الدولة العبرية عرقياً وأيديولوجياً.

حتى الدول شديدة النقاء العرقي كالصين مثلاً إذا ما أصابها هوس أو فيروس النقاء النتنياهوي اليهودي! من الممكن أن تفعل ذلك عبر إجراءات مماثلة لما يفعله ويفكر فيه الكيان العبري. من ضمن هذه الإجراءات رفع مستوى علو سور الصين العظيم بضعة أمتار، وإحاطته بأسلاك شائكة مكهربة؛ هذا إلى جانب إنشاء شريط حدودي ضيق يضم حقولاً للألغام ممتدةً.

ذلك لوقف أي تقدم بشري اجتماعي من مشاة؛ على شكل عمال أو مهاجرين أو لاجئين من غير الصينيين. هذا إضافةً إلى سن قوانين في الهجرة والجنسية صارمة؛ تجعل من قبول أي من لون لا-أصفر، وسحنة ولغة لا-صينيتين، أمراً غير ممكن.

حتى الحركات الإسلامية المتشددة، فهي قادرة كذلك على الاستفادة من الفكر النتنياهوي في الطهارة العرقية والدينية والروحية. هنالك نحو 70 فرقةً إسلاميةً تتهم الواحدة منها كل الأخريات بأنها جميعاً في جهنم؛ إلا نفس تلك الفرقة المصانة ومصيرها الجنة.

كل من هذه الفرق، قد تغدو بحاجة إلى ديمغرافية تصون حدودها عبر موانع. تشمل الموانع جداراً وحزاماً عازلاً، سياجاً مكهرباً وحدوداً ملغّمةً؛ ذلك إلا من بوابات أمنية على غرار معابر رفح وكرم سالم، ومعبريْ جسريْ أللنبي ودامية بين الأردن وإسرائيل، أو فلسطين المحتلة.

بذلك يضع أنموذج نتنياهو الشرق الأوسط في حالة من الحدود والقيود لتسهيل حفظ أمن الدولة اليهودية المنشودة. إذا ما أراد أحدهم السير على قدميه في رحلة ولو بسيطة سيواجه مجموعات من شرطة وحرس حدود؛ الأخيرون مدججون بأسلحة فتاكة، وقناعات بعقائد نقوية صافية من كل شائبة ما أمكن ذلك.

الأفارقة بدورهم هم أقل المتأثرين بأنموذج أو بدعة نتنياهو «الجهنمية». فالقارة السمراء بشكل شبه مطلق يمكن أن تتوحد أو تبقى آمنةً لحد بعيد من هذا الفكر النشاز. ذلك إلا من اختلافات إفريقية قبلية إذا ما أُجّجت على طريقة نتنياهو فإنها يمكن أن تقلب الأمور رأساً على عقب.

جل الدول الأخرى في أوروبا وروسيا الاتحادية وآسيا الوسطى، يمكن أن تحذو قيادات الأقليات والأغلبيات فيها حذو الدولة العبرية بزعامة نتنياهو.

ستتحول الكرة الأرضية إلى صناديق ديمغرافية أشبه بأقفاص عيش طيور الحمام؛ ما يسهّل إحداث احتكاكات متصاعدة بين مكوناتها. حسب بعض الرؤى اللاهوتية والشيطانية! ذلك ما قد يضع المجتمع البشري على كف عفريت، أو على فوهة بركان؛ قابل لإحداث فوضى مستمرة فيه، حتى النفس الأخير له.

التخوف الحقيقي من أن ينجح نتنياهو في مشروعه عن طريق السلطة الفلسطينية، الذراع العربي الإسلامي في قبضة الاحتلال الإسرائيلي القابل للّيّ والحصول منه على تنازلات جمة. مثلاً لا حصراً، ففي العام 1993/1994 وقعت القيادة الفلسطينية في حينه على اتفاق أوسلو الذي يعترف بإسرائيل كما هي.

 لم تحصل السلطة المنبثقة عن اتفاق أوسلو على الحد الأدنى من الحقوق السياسية أو الوطنية أو الإدارية، عدا عن الاستراتيجية. منذ ذلك الحين وطّدت إسرائيل نفسها ككيان عبري ليس فقط في منطقة عام 1948، بل تعدتها إلى مناطق 1967 والدول المجاورة.