لم يكن عام ٢٠١٤ عاماً عادياً على دول الخليج العربي، بل كان مليئاً بالتطورات السياسية ذات التأثير الكبير على مجريات السياسة الإقليمية. وشهد تحركات خليجية وضعتها كلاعب سياسي قوي في الساحة العالمية ومكنتها من أن تتبوأ مكانة القيادة في الساحة الإقليمية.

ولعل أبرز ما خرج به الخليجيون في عام ٢٠١٤ هو إدراكهم بأن مصيرهم واحد وأن اللحمة الخليجية التي تربطهم أقوى بكثير من محاولات البعض للتأثير عليها وإضعافها لصالح أجندات ترتبط بمصالحه. فعام ٢٠١٤ كان عاماً مفصلياً في مسيرة الترابط الخليجي، حيث كاد ذلك الترابط أن يشهد قطيعة خليجية من جراء سحب ثلاث دول خليجية لسفرائها من عاصمة خليجية أخرى.

كانت بداية عام ٢٠١٤ مُرةً على الخليجيين، ولكن نهايته كانت بطعم العسل، حيث جاءت المصالحة الخليجية، ومعها جاء تعزيز قيادة مجلس التعاون الخليجي كمنظومة ناجحة تستطيع تجاوز الخلافات ولا تنكسر عندها.

كان عام ٢٠١٤ عام التحرك الخليجي المشترك في مواجهة التحديات لأمن واستقرار دول المنطقة العربية بشكل عام ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص. ولعل بروز التحالف السعودي الإماراتي البحريني ومعه الكويتي والقطري في بعض الأحيان واضحاً للجميع. هذا التحالف كان له بالغ الأثر في مساعدة مصر على استعادة أمنها واستقرارها في مواجهة خطر كبير كاد أن يفتك بها.

فالموقف السعودي والإماراتي والبحريني والكويتي كان واضحاً في دعم الشعب المصري سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً ودعم خياراته في انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر. فلولا هذا الدعم الخليجي لانجرفت مصر إلى هاوية عميقة بسبب الضغوط الداخلية والخارجية.

فعام ٢٠١٤ هو عام الخليجيين في مصر وهو عامهم في مواجهة كل الضغوط التي كانت تريد لمصر أن تذهب مساراً غير المسار العربي. فأثبت الخليجيون مرة أخرى أن لديهم من القوة ما يمكن أن يؤثرون من خلالها على تطور الأحداث في منطقتهم العربية. و

لقد كان التحالف الخليجي بارزاً أيضاً في محاربة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام (داعش). لم يكن الموقف الخليجي متوقفاً عند التنديد بأعمال هذا التنظيم الإرهابي بل كان صريحاً وواضحاً في سعيه للمشاركة في قيادة العمليات العسكرية للقضاء عليه.

فالدول الخليجية شاركت في الحملة العسكرية لضرب عناصر وقوة داعش في كل من سوريا والعراق وإن كانت بدرجات متفاوتة وطرق مختلفة. لكن المهم أن دول الخليج أرادت أن لا تقف مكتوفة اليدين أمام خطر يهدد أمن المنطقة بأسرها، ولم تشأ أن تظهر بأنها راكبة بالمجان في محاربة الإرهاب.

حكومات دول الخليج تؤمن بأن الفكر الذي يجب أن يسود هو فكر الاعتدال والتسامح وليس فكر التشدد والإقصاء. لذلك اعتبرت أنه لا مكانة لداعش في الخارطة السياسية الخليجية. وعليه جاء عام ٢٠١٤ ليكون عام القيادة الخليجية للمساعي العربية في محاربة الإرهاب.

ولم تتوقف القيادة الخليجية لمجريات السياسة الدولية عند حد محاربة الإرهاب، بل امتدت إلى التكشير عن أنيابها ضد دول تعمل على تقويض أمن واستقرار المنطقة لغير صالح شعوبها. فالعراق كان دائماً مصدر قلق لدول الخليج العربي، حيث إن سياسات رئيس وزرائه السابق نوري المالكي كان لها بالغ الأثر في تأجيج الخلافات الطائفية داخل العراق وخارجه.

لذلك كانت القطيعة السياسية بين دول الخليج ونظام نوري المالكي، وهي القطيعة التي ساعدت في إزاحة المالكي عن كرسي رئاسة الوزراء في ٢٠١٤. لقد كان للموقف الخليجي الصريح والحاسم الرافض لمساعي المالكي في الحصول على ولاية ثالثة دور في تغير الموقف الأميركي الداعم للمالكي لصالح رئيس وزراء جديد في العراق.

دول الخليج العربي رحبت باختيار حيدر العبادي رئيساً جديداً للحكومة في العراق وأبدت رغبتها مساعدته في سياساته التي من شأنها إزالة الاحتقان الطائفي في العراق. بالطبع الخليجيون متحذرين من الأوضاع في العراق، فهم لا يريدون الهرولة إلى العراق لمجرد تغير رئيس الوزراء، بل إن خبرتهم مع المالكي جعلتهم يتحفظون في توجههم تجاه بغداد.

دول الخليج المنتجة للنفط برفضها تقليل حجم إنتاجها النفطي أرادت أن توجه رسائل سياسية للدول التي تتدخل في الشأن العربي وتؤثر بذلك سلباً على أمن واستقرار دول الخليج بأن تدخلاتها تلك غير مقبولة ولا يمكن أن تُكافئ من قبل دول الخليج العربي.

فإذا كان الاقتصاد الإيراني والاقتصاد الروسي متضرر من تراجع أسعار النفط، فمن الأجدر عليه أن يوجه ما لديه من موارد لسد العجز القائم في ميزانياته للنهوض باقتصاداتها وليس توجيهها لدعم أنظمة أو جماعات في المنطقة العربية تعمل على الإضرار بأمن المنطقة واستقرارها ولا تخدم مصالح شعوبها.

من ذلك كله يتضح أن عام ٢٠١٤ أبرز قيادة دول الخليج العربي لمجريات العديد من الأحداث في المنطقة، فدول الخليج لم تكن مجرد مشاهد لما يحدث من حولها بل كانت طرفاً قيادياً ومبادراً في العديد منها.

هذه القيادة الخليجية تجعل دول الخليج العربي في عام ٢٠١٥ أمام خيار واحد وهو أن لا تتراجع عن تلك القيادة لاسيما بعد أن تم الاستثمار الكثير فيها. فليربط الجميع أحزمتهم، فنحن بانتظار عام جديد ستكون فيه دول الخليج العربي تقود المنطقة في التعامل مع ما هو موجود من تطورات، وما هو متوقع حدوثه، وما يمكن أن يفاجئنا به العام الجديد.