بالرهان على الخارج، ارتبط مصير الائتلاف وأسلوبه في خدمة القضية الوطنية بخيارات وسياسات ومصالح من راهن عليها من دول، تجاهل أنها تعلي مصالحها على أي شيء سواها، فلا عجب إن تناقصت قدرته على التأثير في سياساتها، وتعاظم عجزه عن إقناعها باحترام مصالح الشعب السوري وإدراجها في أولياتها.
وزاد الطين بلة أن وضع الائتلاف كان يزداد ارتباطاً بوضع عسكري لا سلطة له عليه، وان اهتمامه به صار بمرور الوقت برانياً ومتقطعاً، وأن علاقاته معه اكتسبت طابعاً شخصياً وجزئياً، بينما كان قادة النظام يعملون لتشتيت المقاومة وإضعافها بالتناحر وخلافات السياسيين، ويلعبون دوراً مدروساً بدقة لإغراقها في صراعات محلية وجهوية ومصلحية.
وإحاطتها بأجواء من الشك والتوجس تحول دون تبلور إرادة جامعة فيها تدفعها إلى إصلاح حالها وتقويم بنيانها وتمكين المنشقين عن جيش الأسد من تشكيل قوة متماسكة وضاربة يلتف حولها المقاتلون، فلا غرابة إن اتسم نشاط المقاومة السياسية والمسلحة بالتبعثر، وخضع لروابط واهية، وتباينت خياراتها إلى حد الفوضى، التي انقلبت في حالات عدة إلى منافع شخصية ارتكزت عليها سلطة وأدوار كثير من قادتها.
ومع أن أغلبية دولية وازنة اعترفت بالائتلاف، فإن اعترافها ظل شكلياً وأضر به، حين أوهمه أن تمثيله للشعب السوري يجعل منه حقيقة وطنية ودولية نهائية، وأنه لن يكون هناك أي طرف آخر يقاسمه التمثيل أو يلعب دوراً مقبولاً على الصعيد الدولي دون موافقته وإشرافه، ولن يتم بلوغ أي حل للمسألة السورية إلا من خلاله بمفرده، ولن يقوم أي نظام سياسي سوري لا يقره أو يتكفل بتأسيسه.
هذه الاستنتاجات، التي تجاهلت أن في الصراع على سوريا دولاً يمكن أن تتكامل مصالحها وسياساتها، وأن مؤيدي الائتلاف يمكن أن يغلبوا علاقاتهم البينية مع من هم أكثر أهمية وفاعلية منه على علاقاتهم معه، أنسته العمل لامتلاك ضمانات ذاتية تحمي قضيته، جوهرها إنهاء غربته عن الداخل وإرساء وجوده على المؤسسية كنهج يحوله إلى سلطة بديلة لنظام الأسد، تخدم السوريات والسوريين دون استثناء، داخل وخارج الوطن، وتقاوم أي طرف يرى معركة الحرية بأعين فئوية ترفض رهانات الثورة، وتجعلها تتخبط في بحر متلاطم الأمواج من العنف والضياع.
واليوم، وأميركا تذهب إلى الحرب ضد الإرهاب، وروسيا تمد يدها إلى معارضة داخلية تجاهلها الائتلاف وعمل لعزلها وسكت على تشويه سمعتها، وأوضاع الجيش الحر صعبة ومجمدة، وعلاقات ومكانة الائتلاف العربية والدولية تتراجع، يبدو أن ساعة الحقيقة قد دنت أخيراً، وأن من كان هامشياً ومعزولاً في الداخل يصير فاعلاً رئيسياً.
ومن كان رئيسياً في الخارج يصير هامشياً، ومن تشدق بقيادة الشعب سينقاد أكثر فأكثر من الآن فصاعداً لجهات وأطراف وأحزاب يكفي أن تعقد صلحاً أو تجد حلاً مع النظام حتى تزيح الائتلاف جانباً، وبالأخص إن وافقت أميركا على ما سيتم التوصل إليه، وحققت تسوية مع روسيا في أوكرانيا ومع إيران في سوريا والعراق ولبنان، وأسقطت مطالبتها برحيل الأسد ونظامه، استعداداً لمشاركتهما في الحرب ضد الإرهاب.
اليوم، تنكشف عيوب الوضع الذي آل الائتلاف إليه بسبب سياساته وانقساماته وخلافات كتله وتياراته، التي أدخلته في عجز متفاقم، وغربته عن قطاعات شعبية واسعة لطالما علقت آمالها عليه.
فما عساه يفعل، إذا لم يبادر إلى الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها واقعه العصيب عليه، ولم يعد النظر في بناه ودوره، ويمأسس نفسه كسلطة بديلة تعطي الأولية لاستراتيجية داخلية المركز والتوجه، تنمي وتحمي قدرته على اتخاذ قرارات وطنية مستقلة، تزيل بكل وضوح وصراحة مقاتل انتجتها لعب الأمم في المسألة السورية، لم يقاومها بل انساق وراءها في حالات كثيرة.
هل فات الوقت لاستدراك ما كان يجب فعله بعد تأسيس الائتلاف؟ وهل يسمح تبدل الظروف وتسارع التطورات بإجراء الإصلاح الجدي المطلوب في عمله وخياراته، أم أن انتقام أخطائه وإهمالاته منه يضعه أمام مصير حتمي لم يعد لديه أي مهرب منه؟