كان الأسبوع الماضي أسبوعاً خليجياً هاماً للغاية، حيث شهدت المملكة العربية السعودية - أكبر الدول الخليجية وصاحبة الثقل العربي والإسلامي الأبرز - انتقالاً للسلطة من الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي وافته المنية، ونسأل الله له الرحمة، إلى ولي عهده الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز، الذي نسأل الله له التوفيق. أهمية هذا الحدث بالنسبة لنا كمحللين سياسيين ترتبط بجانبين، الجانب الأول مرتبط بالعملية، والجانب الثاني مرتبط بالأشخاص.

فبالنسبة للعملية تكمن أهميتها في نقطتين أساسيتين: الأولى هي الانتقال السلمي والسلس للسلطة من ملك إلى آخر، والثانية هي وضع الأساس للانتقال بالسلطة من حكم أبناء عبد العزيز إلى أحفاده. فبالنسبة للنقطة الأولى فإن ما تم من انتقال سلمي وسلس للسلطة في المملكة، هو مؤشر واضح على قوة المملكة من الداخل.

لقد حاول البعض من المغرضين التشكيك في هذا الأمر، وظهر لنا بعض التحليلات من هنا وهناك، وخاصة من الغرب وبعض دوائر المغرضين في منطقة الشرق الأوسط، لتحاول غسل أدمغة البعض بأفكار لا مكان لها من الصحة حول طبيعة النظم الحاكمة في المنطقة الخليجية ومستقبلها.

فمثل هؤلاء الأشخاص يسمعون لبعض الأصوات النشاز ليبنوا تحليلاتهم حول دول الخليج العربية بالذات، إلا أن الحقيقة هي أن المملكة ومعها دول الخليج العربية جميعها، تقوم على قيم رئيسية حاكمة وضابطة لطبيعة عمل منظومتها السياسية وفي علاقة المجتمع بالدولة.

فالحاكم مهما بلغ من العمر أو اشتد به المرض، فإن العرف يحتم على الآخرين احترام مكانته كحاكم وعدم تجاوز ذلك. هذه القيم المحافظة هي الأساس في مثل هذا الانتقال السلمي والسلس الذي تم في المملكة، وهو ذاته الذي تعتمد عليه دول الخليج جميعها.

فالمملكة ومعها دول الخليج العربية، لديها نظام واضح لعملية انتقال السلطة ومحترم من الجميع.

ولقد أثبتت المملكة ذلك من خلال الانتقال السلمي والسلس للسلطة من الملك عبد الله إلى الملك سلمان. ومثل هذا الانتقال من شأنه أن يُضعف الأصوات النشاز من جهة، ويعطي من جهة أخرى الجميع مؤشرات لحال النظم السياسية في جميع الدول الخليجية دون استثناء.

أما بالنسبة للنقطة الثانية فهي تطور لا يقل أهمية عن النقطة الأولى. فهذا الانتقال للسلطة أسس لتحول تاريخي جديد في الأسس الحاكمة لعملية انتقال السلطة في المملكة، فقد فتح المجال لأول مرة لتولي أحفاد الملك المؤسس مسؤولية قيادة هذه الدولة الكبرى. وهذا الأمر يُكتب لصالح الملك الراحل والملك الحالي، اللذين عملا على تحديد مستقبل المملكة لما فيه المصلحة العامة وليس المصلحة الشخصية.

فالواضح أن ولي العهد الحالي الأمير مقرن بن عبد العزيز، سيكون آخر أبناء الملك المؤسس الذين يتولون منصب الملك، فبعد عمر طويل سيأتي أول أحفاد الملك المؤسس لتولي هذا المنصب، وهو ولي ولي العهد الحالي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز. مثل هذا التطور ضروري لأنه من جهة يضبط البيت السعودي الداخلي ويدخل دماء جديدة وشابة على تلك المنظومة، ومن جهة أخرى يقوي من مكانة المملكة في علاقتها مع العالم الخارجي.

أما في ما يتعلق بالأشخاص فإن السياسة ترتبط بشكل واضح بشخصية القيادة، وهنا نستطيع أن نقول بأن هذا الفريق الذي يقود السعودية اليوم هو فريق من العيار الثقيل. فالملك سلمان بن عبد العزيز رجل حكمة وفكر متوازن وقادر على إدارة تنمية المملكة كما فعل مع مدينة الرياض عندما كان حاكمها، ويعلم أيضاً من خلال خبرته كوزير للدفاع أن مصلحة المملكة ودول الخليج العربية تتمثل في العمل على مواجهة الأخطار المحدقة بها، لا سيما من قبل الجماعات الإرهابية، ومنع إيران من أن تصبح قوة نووية عسكرياً، وضرورة استمرار التحالف مع الولايات المتحدة، فهو قيادي يحمل فكراً لمستقبل المنطقة.

أما عن ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز فهو شخصية لها دورها البارز في السياسة الخارجية السعودية، ولعل شهرته ارتبطت بمنصبه الذي كان يتولاه عندما كان رئيساً للاستخبارات السعودية، فهذه الخبرة الأمنية كفيلة بأن تضفي طابعاً قوياً على السياسة الخارجية السعودية، ولا سيما التعامل مع الملف السوري والملف النووي الإيراني. أما الأمير محمد بن نايف الذي عمل وزيراً للداخلية وكان المضطلع بقضايا الأمن ومحاربة الإرهاب، فهو الشخصية القادرة على تحقيق هدف مواجهة الإرهاب وفكر الجماعات المتطرفة.

هذه التوليفة من القيادة الجديدة للمملكة، تعطي دلالة على أن المملكة ستتجه نحو التنمية والتطور وتقوية الداخل السعودي من جهة، وتعزيز قوة ومكانة الدور السعودي في الخارج من جهة أخرى. فهذا الفريق سيسعى إلى تعزيز الداخل السعودي من خلال برامج تنموية مختلفة، وسيعمل على تقوية مكانة ونفوذ المملكة في الخارج مع وجود فكر قيادي يمثله الملك سلمان، وخبرة براغماتية مع الأوضاع يمثلها ولي العهد ونائبه.