بعد ظهور حركات التغيير أو الربيع العربية برزت ظاهرة فرض الحلول الأمنية والعسكرية من قبل البعض على الآخرين. ذلك عكس ما كانت تتوخاه الكتل والجماهير العربية التي عانت كثيراً من الأنظمة الدكتاتورية والقمعية ذوات الرأي الواحد الأوحد. حينها كان الحل الأمني هو الروتين العادي المتبع لدى كل منها على مدى عهود وعقود.

أبرز الأوضاع التي تسود فيها الحلول الأمنية والعسكرية الحربية الفاشلة هو الحال في العراق؛ بعد إدخال الديمقراطية فيه على النمط الغربي. لا يقل الوضع غرابة في البلدان العربية الأخرى مثل تونس وليبيا واليمن، وما قد تأتي به الأيام على بقية الأقطار العربية!

جرَّبت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال الأميركي صنوفاً وأشكالاً من محاولات حل المشكلات العالقة باستخدام القوة. تكاد لم تنج مدينة أو محافظة عراقية من عقم فرض حلول أمنية عسكرية صرفة.

من الفاو والبصرة في الجنوب ومروراً بالوسط والشرق والغرب حتى أقصى الشمال، حيث تحكم الأحزاب السياسية الكردية؛ فالحلول الأمنية أدت فقط إلى تفاقم الأوضاع. مثلاً لا حصراً فإن مدينة الفلوجة عانت طوال أكثر من عقد من السنين ويلات الحلول الأمنية العسكرية.

عانت الدمار والتخريب والقتل والحصار والتهجير بما يحتاج عشرات السنين لإصلاح حالها؛ فيما لو استتب الوضع الأمني والسياسي لصالح فئة بعينها من الفئات. لا يختلف الحال كثيراً في المدن والمحافظات العراقية عندما حاولت الحكومات المركزية الطائفية المتعاقبة فرض حلول أمنية وعسكرية.

العراق بأكمله أصبح ساحة للفوضى والحروب وانفلات الأوضاع الأمنية، قبل وخلال وما بعد العمليات الأمنية.

خارج أسوار المنطقة الخضراء، فالعاصمة بغداد نفسها عانت وتعاني الويلات، بسبب انعدام الخدمات وانتشار الفوضى والمواجهات الطائفية،وحالياً تجري الأمور على قدم وساق لتجريب حل أمني عسكري لا يقل فشلاً وعقماً عن سوابقه. الحملة العسكرية تهدف إلى تحرير أكثر من نصف مساحة العراق من وجود ما يُعرف بتنظيم الدولة أو"داعش".

لا يُتوقَّع التفاؤل بمصير تلك الحملة حتى لو تمكن الجيش الحكومي من دخول مناطق وطرد عناصر "داعش" منها. من المعروف أن تنظيم الدولة لا يمتلك قواعد ثابتة أو جيشاً نظامياً يمكن حسم التعامل معه بالطرق التقليدية.

مثلاً لا حصراً، وللتو، جرّبت الحكومة الطائفية الحل الأمني في مدينة ومصفاة بيجي، إلا أنها ووجهت بالفشل المتكرر لمحاولاتها. فما أن تعلن وسائل الإعلام الحكومية عن نجاح الجيش في السيطرة على الأوضاع في الصباح حتى يتحول الموقف في المساء لصالح تنظيم الدولة؛ والعكس بالعكس يُذكر.

الحكومة العراقية الجديدة برئاسة الدكتور حيدر العبادي تكرر نفس استراتيجية الحكومة السابقة الفاشلة برئاسة الدكتور نوري المالكي. تتخذ من الطائفية منهجية وأسلوباً عملياً في التعامل مع الملف العراقي، الذي هو آخر من بحاجة إلى التعامل بطائفية مع الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية والفكرية والإعلامية. الميليشيات الطائفية تساعد بل تقود دفة الحل الأمني والإعلامي والتوجيه المعنوي.

علناً زُجَّ بإيران في ساحة المواجهة مما يزيد الأوضاع تعقيداً وتفاقماً، والجنرال إيراني، قاسم سليماني، يشرف ويشير على القيادة السياسية والعسكرية العراقية الشعب العراقي بكل فئاته ضحية التوجهات الفاشلة للحكومات المركزية. من شأن الحملة العسكرية الجديدة في محافظات صلاح الدين ونينوى وديالى والأنبار أن تزيد من صب الزيت على النار.

 لماذا لا تسلك الحكومة العراقية الجديدة سلوكاً مغايراً لما سلكته الحكومات السابقة مستفيدة من تجارب الأخيرة المريرة؟ ما الذي يمنع الحكومة من فتح صفحة جديدة والتعامل مع كل الملفات العالقة ، وتضحية من أجل صالح الوطن والشعب والأمة والتاريخ؟ أم أن الأمور حقيقة ليست بأيديها بل تخضع لحسابات وحل ملفات إقليمية ودولية.