لعل من بين أهم التحولات التي شهدتها السياسة الإقليمية ولاسيما في منطقة الخليج العربي خلال الخمس سنوات الماضية هي البروز الواضح للأدوار المشتركة التي أصبحت دول الخليج العربي تقوم بها في مواجهة الأخطار التي تحدق بالمنطقة.

فمنذ العمل الخليجي المشترك في بداية التسعينيات لتحرير الكويت من احتلال القوات العراقية لم تعمل دول الخليج بشكل مشترك إلا مع التداعيات السلبية لما يسمى بالربيع العربي.

فمنها بدأت دول الخليج العربي تُكشر عن أنيابها في مواجهة الأخطار المحدقة بأمنها في كل من البحرين وليبيا وسوريا. واليوم تُكمِل دول الخليج العربي سياستها تلك بالتحرك العسكري المشترك لمواجهة خطر تحول اليمن إلى مرتعٍ لسيطرة الحوثيين وتوغل أطراف إقليمية بشكل مباشر في ذلك البلد.

اليمن خطٌ أحمر لدول الخليج العربي، فهو يجاور بلدين خليجيين كبيرين هما السعودية وعمان، والرياض ومسقط دائماً ما كانتا متوجستين من الأخطار التي تأتيهما من اليمن، حيث دخلت تلك الأطراف في مواجهات عسكرية مع أطراف في اليمن.

فمن يسيطر على اليمن بإمكانه أن يؤثر على الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي. واليوم يعمل الحوثيون على إثارة مخاوف الخليجيين عن طريق فرض سيطرتهم على ذلك البلد، وهم طرف يُمثل خطراً سياسياً وأيدلوجياً على دول منطقة الخليج العربي نظراً لارتباطاتهم السياسية الخارجية ولفكرهم الطائفي الذي لا يتماشى مع الفكر السائد في دول منطقة الخليج العربي.

إن العملية العسكرية الخليجية ضد قوات جماعة الحوثي فيها توجيهٌ واضحٌ لمجموعة من الرسائل الخليجية لمجموعة من الأطراف. فالرسالة الأولى هي للداخل اليمني ومفادها أن دول الخليج العربي لا يمكن أن تظل مكتوفة الأيدي وهي ترى أمنها واستقرارها يتعرض للخطر من جراء انتشار فكر وممارسة جماعة لا تحمل الود ولا الاحترام لدول الخليج العربي بل وتسعى إلى فرض سيطرتها بالقوة وتتجاوز المواثيق والاتفاقات الموقعة عليها.

الرسالة الثانية هي لدول الإقليم ومفادها أن دول الخليج العربي لا يمكن أن تقبل بالتوغلات والتدخلات الإقليمية من قبل دول غير خليجية في اليمن بهدف نشر أجندتها السياسية والعقائدية هناك والساعية لضرب التجانس الاجتماعي الخليجي بين شعوب منطقة الخليج من خلال نشر الفكر الطائفي، والعمل على الإخلال بتوازن القوة لغير صالح المنطقة. والرسالة الثالثة هي للمجتمع الدولي ومفادها أن دول الخليج العربي دول مسؤولة وتعمل مع المجتمع الدولي بشكل فاعل في محاربة الإرهاب، وأنها لا يمكن أن تقبل الانقلاب على الشرعية من قبل جماعات دينية تسعى لإرهاب الدولة والمنطقة، وهي كذلك تقول بأنها لا يمكن أن تنتظر تحرك القوى الكبرى، بل إنها قادرة على الاعتماد على ذاتها لحماية أمنها واستقرارها من دون حاجتها للدول الكبرى.

إن السكوت الخليجي عن ما يحدث في اليمن لا يمكن أن يكون مقبولاً من الخليجيين على الإطلاق. فالتجربة التاريخية دائماً ما تثبت بأن اليمن يمثل تحدياً لدول الخليج العربي، ويشكل في العديد من المرات خطراً على أمنها واستقرارها. فلا أحد يتجاهل التوغل اليمني في شؤون الخليج عبر دعم الإمامة في عمان ودعم اليساريين في منطقة الخليج العربي. ولا أحد يتجاهل أيضاً التوغلات اليمنية عبر الحدود السعودية.

والمشكلة دائماً هي أن تلك التهديدات تأتي بإيعاز من أطراف دولية تسعى لتحقيق أجندتها في المنطقة الخليجية، وهذه الأطراف تضمر الشر لدول الخليج. لقد أخطأ الحوثيون في تقديراتهم بأن دول الخليج العربي لن تتحرك لدعم الشرعية في اليمن، واعتقدوا بأنهم أصبحوا يملكون الدعم الداخلي والغطاء الخارجي لما يقومون به. لقد غرتهم قوتهم وقدرتهم على شراء الذمم في الاستمرار في برنامجهم. وهم على حق في ذلك، فالحوثيون لا يمثلون إلا خمسة بالمئة من سكان اليمن البالغ خمسة وعشرين مليون نسمة. فكيف يعقل للخمسة بالمئة أن يفرضوا سيطرتهم على النسبة الأكبر من السكان؟! هي بالفعل القوة التي يتمتعون بها.

ولعل قوتهم تلك هي من جراء الدعم المالي الذي يأتيهم من الخارج، والذي يُستخدم لشراء ذمم الآخرين. بالإضافة إلى أن هناك جهات أخرى داخلية أرادت أن تُصفي حساباتها مع الأطراف المدعومة خليجياً مثل الحكومة الشرعية برئاسة الرئيس عبدربه هادي منصور، فوقفت تلك الجهات مع الحوثيين وسهلت لهم أمور توغلهم وسيطرتهم على أنحاء متعددة من البلاد. وهذه الجهات يجب أن تُحاسب أيضاً على ما فعلته، وهي من أمثال الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي وثقت فيه دول الخليج العربي ودعمته ومن ثم استغل تلك الثقة لضرب مصلحة الخليجيين.

لقد تمكنت دول الخليج العربي من خلال هذا التحرك العسكري من أن توكد للجميع قدرتها على تشكيل تحالف دولي في وقت سريع نظراً لما تتمتع به من علاقات تحالفية قوية مع دول فاعلة في المنطقة. فمصر والأردن والمغرب والسودان وباكستان دخلت في نطاق هذا التحالف لإعادة هيبة الدولة اليمنية.

ويضاف إليهم بالطبع الولايات المتحدة والدول الغربية الفاعلة التي أيدت وأبدت رغبتها في المساعدة. وهو ما يمكن أن ُيعتبر تعزيزاً واضحاً لمثل هذا التحرك من جهة ورسالة أخرى على قدرة دول الخليج العربي على تنظيم تحالف دولي ضد ما يهدد أمن المنطقة.

ولعل الحديث عن إنشاء قوة عسكرية عربية هو إنجاز يُكتب لصالح هذه العملية العسكرية، حيث من شأن مثل هذه الخطوة أن تُعيد الدور العربي في مواجهة الأدوار الأخرى في المنطقة. إن الهدف من هذا التحرك ليس القضاء على الحوثيين لأن ذلك يعتبر عملاً صعباً للغاية، ولكن لفرض واقع عليهم لإعادتهم إلى العملية السياسية التي من خلالها يتمكن اليمنيون من حل مشاكلهم بالطرق السلمية وليس برفع السلاح.

وهنا نحن أمام خيارين، إما أن يعود الحوثيون إلى رشدهم ويغلبون مصلحة البلد على مصالحهم العقائدية الخارجية ويجلسون على طاولة الحوار، أو إدخال البلد في متاهات الحرب الأهلية التي لن ينتصر فيها سوى الدمار والقتل.