ينشأ الإنسان العربي ودبوس صغير يمس رأسه بنعومة منذ بداية مراحل نشأته وتعليمه وإلى ما شاء الله ومد في عمره، هذا الوخز المستمر أصبح لا يشعر به العربي في كثير من الأحيان لأنه أصبح جزءاً من تكوينه ومجمل أحاسيسه.
مفعول هذا الوخز الناعم مثل قطرات الماء التي تستمر بالسقوط على حجر ومع مرور الوقت يبدأ الحجر بالاستسلام ويتشقق. هذا الوخز الشبه خفي يتمثل في تعرض المواطن العربي للنقد والمقارنة السلبية طوال حياته.
على كرسي المدرسة استمعنا عن العرب القدماء وكيف كانت لهم إنجازات واختراعات وبطولات وفتوحات والتغني بالماضي وكيف استفادت الحضارات الأخرى من الحضارة الإسلامية في مجالات العلوم.
وينتهي الحديث بالتأسي على الحاضر وإننا لا نصنع اليوم عود كبريت. وإمعاناً في المقارنة السلبية هناك من يؤكد أن كل الإنجازات والاختراعات في العصر الذهبي للأمة الإسلامية كانت على أيدي علماء المسلمين من غير العرب. وإن أفضل ما كان عند العرب اللسان الفصيح والشعر وهذه حقبة قد مضت أيضاً.
وفي المنزل التربية في كثير من الأحيان تصير دائماً إلى المقارنات مع الآخرين والمقصود منها التحفيز والتشجيع لكن للأسف في كثير من الأحيان يستسلم الطفل أو الشاب لواقعه ويكتفي بذاته كما هي في مواجهة مقارنته بابن الجار أو ابن فلان وعلان. ربما بالمقارنات مع الآخرين ينكسر شيء في ذات هذا الشخص ليواجه الشعور بالنقص الناتج عن مقارنته بالآخرين وحال لسانه ليس أفضل مما كان.
تستمر المقارنة السلبية بالآخرين ودائماً العقدة مربوطة بالغرب وكم هم أفضل وكم أنجزوا واخترعوا وتوحدوا حتى يتشبع العقل الباطن ضحية المقارنات السلبية بالشعور بالنقص وثم اليأس والانكسار والاستسلام.
دائماً في الإعلام والأحاديث بين الأصدقاء هناك من يضفي على الغرب هالة غاية في التوهج والمقارنة مباشرة بحال العرب المتردي. في الولايات المتحدة تكون هنالك بعض المقارنات وخصوصاً مع اليابان فيما يتعلق بالابتكار والصناعة وفي نهاية المقارنة يقول الأميركي بكل فخر واعتزاز جملة (نحن بإمكاننا أن نفعل أفضل).
وتستمر المقارنة بالشرق الأقصى حيث بعض الدول التي عانت من ويلات الحرب العالمية وقصفت بقنبلة نووية، استطاعت أن تنفض الغبار وأن تنهض من جديد ولكن العرب حالهم كما هو لا يسر عدواً ولا صديقاً.
الاستمرار بالمقارنة السلبية ينطوي على كل مناحي الاحتياجات اليومية. كذلك مناهج التعليم كانت تصف اليابان بأنها دولة عديمة الموارد الطبيعية ولا تحتوي على قطرة بترول ورغم ذلك استطاعت أن تصل إلى ما هي عليه اليوم.
المقارنة كانت توضح مدى فقر اليابان في الموارد والمقارنة السلبية مباشرة تتبعها حول الكم الهائل من المخزون النفطي في البلاد العربية والثروات الطبيعية. لا تتطرق دروس التعليم لتتناول كيفية تحول اليابان من حال إلى حال. وتستمر قطرات الماء في التأثير على الصخر.
هذا الخطاب السلبي يستمر في كثير من الأحيان يوم الجمعة، ففي خطبة الجمعة يدور الحديث عن إنجازات الماضي. وتبدأ المقارنات بحال المسلمين اليوم وبالصحابة الكرام وكيف كانوا وكيف صار أحفادهم اليوم. الموعظة الحسنة لا تقصر على الكلام اللين والابتسامة وإنما يجب أن تشمل فحوى الموعظة وأسلوب تقديم النصيحة.
في بعض الأحيان يذكر خطيب الجمعة مثالب بعض المسلمين فيشير في حديثة مراراً وتكراراً قائلاً (كم منا مقصر في صلاته أو نحن مقصرون في أداء الزكاة، لا نزور المريض، لا نصل الرحم وغيرها من الأمور الدينية) كلها تذكر في صورة سلبية وبالتقصير وتضاف إليها مقارنه مع الصحابة الكرام رغم الفارق بين العصور.
وفي بعض الأحيان تكون خطبة الجمعة كأنها هجوم وانتقاد مباشر للمصلين الحضور. من المفترض أن تكون خطبة الجمعة تذكير بالفعل الحسن مع بيان أهميته وثوابه والتشجيع على الإتيان به والاستمرار عليه.
اليوم نحن في حاجة لإعادة النظر في الخطابات الموجة لذواتنا في مختلف المراحل السنية وضرورة تغييرها من العقلية السلبية والخطاب السلبي والتحول إلى الإيجابية في المفاهيم والعبارات والأمثلة لخلق الطاقة الإيجابية للانطلاق نحو المستقبل. الإيجابية لابد أن تكون جزءاً من ثقافتنا وتعليمنا.
ففي علوم الإدارة والقيادة يوجد حقل واسع يختص في الجانب النفسي وخصوصاً فيما يتعلق بالتفكير الإيجابي والابتعاد عن السلبية لما لذلك من أثر كبير في تكوين الشخصية القادرة على تحقيق إنجازات، الأشخاص المنوط بهم عملية التوجيه من آباء وأمهات ومدرسين وخطباء المساجد لابد أن يكون لديهم قدر من المعرفة في هذا الجانب من حقول العلوم والمعرفة. وما أحوج عالمنا العربي لهذه الإيجابية للتعامل مع التحديات الراهنة ومن أجل مستقبل مشرق للأمة العربية إن شاء الله.