اتفقت الدول الست الكبرى مع إيران بداية هذا الشهر في لوزان بسويسرا حول اتفاق مبدئي أو إطار عام يحدد الأسس التي يجب أن ينطلق وفقاً لها العمل للوصول إلى الاتفاق النهائي المتوقع التوصل إليه في نهاية يونيو المقبل بهدف ضبط برنامج إيران النووي.
وقراءتنا لما يحمله هذا الاتفاق لدول الخليج العربي تنطلق من قناعتنا بأنه إذا ما تم التوصل إليه سيحمل بوادر تفاؤل بحذر على المدى القصير، ولكنه قد يحمل بوادر تشاؤم على المدى البعيد. فالتفاؤل بالنسبة لدول الخليج العربي يمكن أن يعود إلى التالي:
أولاً، إن هذا الاتفاق يتضمن مجموعة من الإجراءات الكفيلة بتحقيق هدف دول الخليج العربي بوقف طموح إيران بأن تصبح دولة نووية عسكرياً أو على الأقل تأجيله لفترة ما بعد مدة الاتفاق. فليس في اتفاق الإطار العام المعلن ما يشير إلى أن الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة قد سمحت أو ستسمح لإيران بامتلاك القنبلة النووية خلال فترة الاتفاق.
فكل ما ورد عن اتفاق الإطار العام من ضرورة تقليص لحجم أجهزة الطرد المركزي، ونوعية الأجهزة التي من المفترض على إيران استخدامها، وتحديد نسبة التخصيب، والمنشآت النووية، والرقابة الدولية التي لن يكون لها مثيل في السابق كما ذكر ذلك الرئيس الأميركي، والوعود بالتشدد إذا ما حاولت إيران الخداع، يشير إلى أن الهدف من هذا الاتفاق هو منع إيران من امتلاك القدرة النووية العسكرية. وهذا أمر من المفترض أن يكون كفيلاً بأن يعطي الخليجيين شعوراً بالقبول الإيجابي، ولكنه في نظرنا سيبقى قبولاً مؤقتاً مرتبطاً بمدة الاتفاق.
ثانياً، من خلال دراستنا لتطور العلاقات الدولية فإننا نعتقد أن ضبط برنامج إيران النووي من خلال مثل هذا الاتفاق هو خطوة إيجابية، لاسيما إذا ما أدركنا أن تجارب الدول النووية السابقة تشير إلى أن ترك الدول الساعية لامتلاك القنبلة النووية من دون ضبط دولي، والاعتماد على إستراتيجية المواجهة معها، وفرض مزيد من العقوبات عليها، ومحاولة عزلها لا يؤدي إلى تخلي تلك الدول عن مساعيها النووية، بل يجعلها أكثر تشدداً في السعي لامتلاك مثل تلك القدرة.
ولعل التجارب الدولية تعطينا خير مثال على ذلك، فرغم العقوبات والضغوط والعزلة التي كانت مفروضة على دول مثل الصين الشعبية وكوريا الشمالية إلا أن هاتين الدولتين استطاعتا أن تتجاوزا جميع تلك العقوبات والضغوط وتصبح قوى عسكرية نووية. والأمر ذاته عن الهند وباكستان التي سعت بعض الدول الكبرى إلى التشدد معهما حول برنامجيهما النوويين إلا أن ذلك لم يوقفهما.
فالتجربة الواقعية تشير إلى أن إيران لن تكون بعيدة عن مثل هذا التوجه إذا ما تم الاستمرار في مواجهتها من قبل الدول الكبرى، ولعل المتتبع لحال البرنامج النووي الإيراني يعلم جيداً أن هذا البرنامج يُعتبر اليوم أكثر تقدماً عن ما كان عليه قبل سنوات عدة رغم سياسة المواجهة والتشدد والعزلة المفروضة على إيران. ثالثاً، إن ما تم الإعلان عنه حول اتفاق الإطار العام يشير بوضوح إلى أن المجتمع الدولي لم يُقدم تنازلات لإيران من شأنها أن تُشرعن لسياساتها الساعية للهيمنة في المنطقة.
وهو ما جاء بشكل واضح على لسان مسؤولي الدول الكبرى المشاركة في المفاوضات، حيث ركزوا جميعاً المفاوضات حول البرنامج النووي وليس أي أمر آخر، وأنه لا صلة لهذه المفاوضات بالملفات الأخرى التي لإيران شأن كبير فيها مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين.
وهذا ما ذكره الرئيس الأميركي ذاته في مقابلته مع النيويورك تايمز بأن واشنطن ضد سياسات إيران التوسعية في المنطقة وأن العقوبات المفروضة عليها بسبب هذه السياسات لن يتم رفعها.
ولعل على دول الخليج العربي أن ترفع صوت التحذير لعواصم الدول الكبرى بأن أي اتفاق يجب أن لا يُعطي لا من قريب أو من بعيد دعماً لما تقوم به إيران في المنطقة. ولعل الحذر في هذا التفاؤل مرده عدم سهولة مراقبة السلوك الإيراني بالشكل الذي يضمن تحقيق الهدف.
فالحاجة هي لوضع آلية تفرض الالتزام وآلية تضمن المحاسبة في حال المماطلة والإخلال ببنود الاتفاق. لذلك وجب الحذر. فعلى المدى القريب يمكن أن يكون هناك تفاؤل خليجي ولكنه تفاؤلٌ محفوفٌ بحذر.
أما فيما يتعلق بالجانب التشاؤمي بالنسبة لدول الخليج العربي فإنه يرتبط بشكل مباشر بما بعد انتهاء مدة الاتفاق أي على المدى البعيد، حيث إن الوضع ما زال غامضاً، وهنا قد تكون دول الخليج العربي من أكبر الخاسرين.
فالسؤال هل ستُعطى عندها إيران الحق في تطوير قدراتها النووية لمستويات أعلى مما كان في مدة الاتفاق؟ أم أن هناك آلية تفرض استمرار الاتفاق لما بعد نهاية مدته؟ أم سيكون هناك اتفاق جديد من نوع آخر؟ أعتقد أن هذا الأمر في غاية الأهمية لأنه وبعد التزام إيران باتفاقها مع القوى الكبرى وانتهاء المدة المحددة سيصبح من الصعب جداً إعادة فرض واقع زمن الاتفاق.
هذا الأمر يجعلنا أقرب إلى الاعتقاد بأن إيران وافقت على الاتفاق لأنها تدرك أنه اتفاق لا يُنهي طموحاتها النووية وإنما يؤجلها لخمسة عشر أو عشرين سنة.
بالطبع الحكومة الإيرانية تحاول أن تبرز للداخل بأن إيران هي الكاسب الأكبر من التوصل إلى اتفاق، والحقيقة هي أن كل الأطراف ستكون كاسبة على المدى القريب بما فيها دول الخليج العربي التي يمكن أن تتنفس الصعداء من أن إيران لن تخل بمبدأ توازن القوة لصالحها مع امتلاكها القوة النووية وأنها لن تعيش حالة عدم أمان واستقرار بسبب تداعيات توجيه ضربة عسكرية لإيران.
ولكن إيران ستكون هي الكاسب الأكبر على المدى البعيد عندما تنتهي مدة الاتفاق ويصبح من الصعب العودة إلى الاتفاق، لاسيما إذا ما علمنا بأنه سيكون لإيران داعمون دوليون مثل روسيا والصين. إن ما حدث كفيل بأن يجعلنا متفائلين بحذر على المدى القصير ولكنه لا يمكن أن يجعلنا كذلك على المدى البعيد، وهو ما يجب علينا كخليجيين إيصاله لحلفائنا وشركائنا الغربيين ليجعلوننا أكثر تفاؤلاً عندما يأتي وقت التوصل للاتفاق النهائي.