وتوقفت المدافع

بعد 2415 طلعة جوية ناجحة فوق أجواء اليمن، توقف هدير مقاتلات دول التحالف بعد أن أزالت التهديد العسكري لميليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ضد المملكة العربية السعودية والمنطقة عبر تدمير أسلحتهم الثقيلة والصواريخ الباليستية التي استولوا عليها، وفي الوقت نفسه أعلن المتحدث الرسمي لقوات التحالف عن انطلاق عملية إعادة الأمل التي ستستمر بحظر وصول الأسلحة للانقلابيين من خلال المراقبة والتفتيش، مع التنويه بأن قوات التحالف سوف ترد على أي اختراق من قبل الميليشيات.

السؤال الأهم الذي تردّد طوال فترة عاصفة الحزم، وهو سؤال مشروع: هل شكّل الحوثيون ومن وقف معهم تهديداً حقيقياً للمملكة وللخليج بشكل عام؟ وهل كان دافع هذه الحرب طائفياً ولاستئصال شأفة الحوثيين؟ وما الذي جعل أكثر من 10 دول تتحالف لإعادة الشرعية في اليمن ضد ميليشيات يقول مناصروها إنها لا تتلقى أي دعم خارجي؟

الحرب على الحوثيين لم تكن طائفية بأي شكل من الأشكال، فالخليج العربي محاط بدول على مذاهب وطوائف شتى، ولم نحارب أياً منها على الرغم من التوترات. الحرب كانت لحماية أمننا القومي من عدو كان متربص، وكان بكل بجاحة يزهو بانتصاراته واحتلاله لأربع عواصم عربية. هل سنترك اليمن وحيداً؟ بكل تأكيد لا.

في كتاب «جوهر الأمن» لوزير الدفاع الأميركي الأسبق ورئيس البنك الدولي روبرت ماكنمار حول مفهوم الأمن القومي، ورد أن «الأمن القومي لا يكمن فقط في القوة العسكرية بل وبصورة مماثلة في تنمية نماذج مستقرة من النمو الاقتصادي والسياسي من الداخل، أو من دول الجوار» أي أن الأمن القومي بمفهومه الشامل لا يكمن في القوة العسكرية بل بالقوة الاقتصادية وبالاستقرار السياسي لهذه الدول، أي أنه تنمية شاملة في كل المجالات سواء الاقتصادية أو العسكرية أو السياسية. دعونا هنا نسقط كل هذه العوامل على الشأن اليمني ونرى هل كان اليمن يشكّل تهديداً للأمن القومي الخليجي.

سياسياً لم يكن اليمن مستقراً بأي شكل من الأشكال، فبعد ما يسمى «الربيع العربي» طالت المظاهرات والإضرابات شوارع اليمن وتدخل الخليجيون عبر مبادرة حقنت الدماء وأتت برئيس جديد للبلاد أعاد اليمنيون انتخابه ولاقى قبولاً في الداخل والخارج.

لكن سرعان ما عادت الاضطرابات لليمن بعد أن تمرّد الحوثيون على الرئيس الجديد واحتلوا المدن الواحدة تلو الأخرى وسيطروا على مفاصل الدولة بالسلاح وشكلوا تهديداً خطيراً للسلم الأهلي، بل إنهم تمادوا في غيهم وأصبحوا يهددون المملكة العربية السعودية وهي التي تشترك معهم في أكثر من 2000 كيلو متر من الحدود البرية. ولا نغفل هنا الإشارة إلى حرب السعودية السابقة مع الحوثيين، أي أنهم يضمرون شراً للمملكة منذ زمن.

اقتصادياً، من المهم أن نشير هنا إلى أن الوضع الاقتصادي لأية دولة يؤثر سلباً أو إيجاباً على الدول المجاورة لها، فما بالك بدول بحجم اليمن تطل على واحد من أهم المنافذ البحرية على مستوى العالم «باب المندب» ويشكل مطمعاً للكثير من الدول لاسيما إيران، فحرية الملاحة على هذا المنفذ يجب أن تكون وفق القوانين الدولية وليس وقفاً للمذاهب وهو ما قامت به إيران أكثر من مرة عبر استعراض أسطولها، بل إنها حرّكت الكثير من القطع البحرية باتجاه باب المندب بعد أن سيطر الحوثيون على مفاصل الدولة اليمنية، وهو ما سيشكل خطر على الملاحة في البحر الأحمر، وهو المسطح المهم للعابرين من قناة السويس، وهنا دخلت مصر على الخط.

عسكرياً، الحوثيون أثناء تمددهم أطلقوا تهديدات متتالية ضد المملكة العربية السعودية ودول الخليج بل إنهم وبكل وقاحة رفعوا شعارات تنادي بـ «تحرير» الحرمين الشريفين، وأخذوا يشاغبون على الحدود، واستولوا على مخزون الصواريخ الباليستية وهو ما يشكل تهديداً لدول الجوار، واستعانوا بالمرتزقة الإيرانيين لتطوير أساليبهم الدفاعية والهجومية. كما أن ارتباط الحوثيين الوثيق بالنظام الإيراني يشكل خطراً على الأمن القومي الخليجي وهو ما رفضته مسبقاً دول الخليج بعد أن استعان الانقلابيون في البحرين بالنظام الإيراني، وهل بعد هذا يمكن لدول الخليج والسعودية بشكل خاص، أن تقف متفرجة؟

إن تأمين كيان الخليج ضد الأخطار المحدقة من حوله هو من أهم أركان ما قام ونادى به مجلس التعاون منذ تأسيسه، ولن تسمح دول المجلس بأي اختراق خارجي، وبخاصة من دول تضمر لها العداء، والشواهد كثيرة على أن «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة»، وأن الشعارات الرنانة لا ترسم سياسات الدول.

وبالمحصلة، الكثير من الحروب والتوتّرات وصلت لنهايات مختلفة. فها هي أميركا بعد عقود تطوي صفحة كوبا بعد سنوات من الجفاء والحرب الباردة. والآن، بعد توقف المدافع، على دول الخليج أن تعيد حساباتها مع الكثير من الدول وليس من العيب أن تكون براغماتياً.