قبل أن تُكمل عملية عاصفة الحزم شهرها الأول أُعلن قبل أيام عن انتهائها والبدء في عملية إعادة الأمل. فالدور الخليجي قد انتقل من مرحلة التعامل العسكري لتحجيم وضبط ميليشيا الحوثيين المتمردة ومن يدعمهم في داخل اليمن إلى مرحلة التعامل السياسي من أجل مساعدة اليمنيين على بناء بلدهم.

وبالنظر إلى الإنجازات التي حققتها عملية عاصفة الحزم من الناحية السياسية فإننا نلحظ التالي: أولاً، لقد تمكنت عاصفة الحزم من تغير المعادلة السياسية القائمة في المنطقة منذ فترة طويلة والمتمثلة في غياب المشروع العربي القادر على مواجهة المشاريع الإقليمية في المنطقة العربية.

هذه العملية أثبتت وبكل وضوح بأن دول الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية أصبحت تحمل مشروعاً عربياً قوامه رفض التمدد الطائفي والمذهبي في المنطقة ورفض التوغل الأجنبي المثير لحالة التفكك والضعف العربي.

هذا المشروع عموده الرئيس الدول العربية الغيورة على عروبتها ووطنيتها وفي مقدمتهم السعودية ودول الخليج العربي ومصر والأردن والمغرب.

هذا المشروع يأتي ليرفض المشاريع الإقليمية التفككية لحال العرب التي ترفعها بعض الدول الإقليمية، وليعلن ولادة نظام إقليمي عربي جديد لا يرفض وجود مثل تلك المشاريع التفكيكية وحسب بل ومستعد لمواجهتها عسكرياً إذا ما تطلب الأمر ذلك. فعهد السكوت عن ما يحدث قد تم تجاوزه، وبدأ عهد الحزم في التعامل مع كل من يسعى للإضرار بالأمن والاستقرار العربيين.

لقد استطاعت الدول العربية المتحالفة في عاصفة الحزم أن تقول لا للتوغلات الأجنبية السلبية في شؤون المنطقة الداخلية، وأن تواجهها عسكرياً متى ما أحست بوجود مثل ذلك الخطر. فالهدف السياسي قد تحقق من خلال الرسالة التي استطاعت أن توصلها هذه العملية للأطراف الأخرى بغض النظر عن مدى تحقق الأهداف العسكرية.

فأهل الحزم كانوا واضحين في وقوفهم في وجه التوغلات الأجنبية المفككة للأمن والاستقرار الداخلي العربي بالقوة والحزم، وهذا إنجاز سياسي كبير يُكتب لصالح عاصفة الحزم.

ثانياً، لقد تمكنت عملية عاصفة الحزم من خلق روح عربية جديدة لدى المواطنين العرب الغيورين على عروبتهم والذين ظلوا لفترة طويلة يشاهدون الآخرين يعبثون في المنطقة العربية من دون رقيب ولا حسيب. فهذه العملية أعادت الروح الوطنية لكل عربي أصابه الإحباط من حال العرب قبل العاصفة، لتعود الروح من جديد لقدرة العرب على النهوض بمشروعهم القادر على مواجهة المشاريع الأخرى.

فالكل فخور اليوم بهذه العملية ليس بسبب أنها موجهة ضد الحوثيين بل لقناعتهم بأنها ستؤسس لنظام عربي جديد يحمل مشروعاً عربياً جديداً رافضاً لما كان عليه حال العرب قبل العاصفة من ضعف واستسلام. ثالثاً، لقد تمكنت عاصفة الحزم من إعادة التوازن في التهديد المفقود في المنطقة والذي كان لغير صالح العرب. ولم تستطع الدول العربية أن توازن ذلك التهديد، بل ظلت تتعامل معه بشكل دبلوماسي على أمل احتوائه.

إلا أن عملية عاصفة الحزم أرسلت رسالة واضحة مفادها أن أهل الحزم من العرب لا يمكن أن يسكتوا عن استمرار مثل هذا الخلل في توازن التهديد، وبالتالي انتقلوا من مرحلة الاحتواء إلى مرحلة المواجهة.

كانت البداية في البحرين عندما تدخل الخليجيون لوقف انهيار ذلك البلد، وتبع ذلك الوقوف مع وحدة مصر وعروبتها في مواجهة من كان يريد بمصر الضعف لصالح أجندته؛ إلا أن تلك البداية كانت محدودة بدور خليجي بالدرجة الأساسية، ولكن اليوم ومع عاصفة الحزم انتقل ذلك التحالف من نطاقه المحدود إلى نطاق أوسع تمكنت من خلاله الدول الخليجية من أن تحصل على دعم دولي لها في حربها ضد المتمردين على الشرعية في اليمن وضد من يحاول العبث بأمن المنطقة.

ولعل هذه الرسالة قد وصلت وبشكل مباشر، وأحدثت الأثر الكبير عند الطرف الآخر الذي تفاجأ من قدرة العرب واستعدادهم للمواجهة العسكرية بعد أن كان يظن أنه يمكن له العبث بأمن المنطقة من دون أن يردعه أحد.

رابعاً، لقد أثبت أهل الحزم بأنهم قادرون على الاستمرار في عمليتهم العسكرية من دون تراجع في حجم العمليات أو في المعنويات. فالعملية استمرت حتى تحقق هدفها من إضعاف قوة الخصم وتوفير الظروف لليمنيين لأخذ الأمور بأنفسهم.

وهذا ما حدث، فانتهاء عملية عاصفة الحزم لا يعني انتهاء العمليات العسكرية ضد المتمردين على الشرعية في اليمن، ولكن يعني بدء مرحلة جديدة من المزج بين العمل العسكري والعمل السياسي مع الوضع القائم هناك.

لم يكن هدف العملية تدمير اليمن بل تدمير قوة المتمردين الذين لا يحملون أجندة سياسية وطنية يتعاملون بها مع خصومهم الوطنيين وإنما يحملون أجندة أيديولوجية دينية أجنبية يسعون إلى فرضها على الجميع. خامساً، لقد أثبت أهل الحزم أنهم لاعبون سياسيون متميزون وقادرون على استخدام السياسة لتحقيق أهدافهم.

ولعل قدرتهم في إقناع المجتمع الدولي على دعم عمليتهم العسكرية هو برهان واضح على قوة أهل الحزم السياسية. فليس في المجتمع الدولي من يعارض عملية عاصفة الحزم إلا من يدور في فلك المشروع الذي تحمله الأطراف المعادية لأمن واستقرار المنطقة، ولحسن الحظ فهم قلة، ولم يشكلوا تهديداً .

ولعل عقلانية دول الحزم كانت واضحة في سعيها للانتقال من مرحلة الحزم العسكري إلى مرحلة المساعدة في بناء اليمن، فدول الحزم تدرك بأن الحل في اليمن ليس في التمادي في المواجهة العسكرية بل في ضرورة تغليب العمل السياسي للوصول إلى الهدف المرجو.