سيلتقي هذا الأسبوع قادة دول الخليج العربي الأعضاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس باراك أوباما في كامب ديفيد بدعوة من الرئيس الأميركي لمناقشة بعض المواضيع الهامة والحساسة للأمن في المنطقة الخليجية من جهة، ولواقع ومستقبل التحالف الخليجي الأميركي من جهة أخرى.

ويأتي على رأس تلك المواضيع الملف النووي الإيراني والاتفاق المزمع التوصل إليه بين القوى الدولية الست مع إيران.

كل طرف يحمل أهدافاً لتحقيقها من وراء هذا اللقاء. فالجانب الأميركي يريد دعماً خليجياً لسعيه التوصل إلى اتفاق مع إيران، والجانب الخليجي يريد ضمانات بأن هذا الاتفاق لن يأتي على حساب مصالح دوله.

الخليجيون ذاهبون إلى كامب ديفيد يحملون معهم هاجسين رئيسيين يريدون إيصالهما وبوضوح إلى الإدارة الأميركية، وهذان الهاجسان هما:

أولاً، التوجس الخليجي من مستقبل التحالف الاستراتيجي القائم بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية. فالدول الخليجية تنظر إلى السياسات الأميركية في عهد الرئيس أوباما بعين المشكك في قوة ومتانة هذا التحالف.

فالخليجيون لا ينسون أن الإدارة الأميركية انجرفت مع الثورات الشعبية في بعض الدول العربية لغير صالح حلفائها من الأنظمة العربية وتأثرت بالشعارات على حساب المصالح القائمة.

ففي مصر لم تتخل واشنطن عن حليفها الاستراتيجي الرئيس محمد حسني مبارك وحسب، بل إنها وقفت أيضاً - عن قصد أو غير قصد - مع سعي تنظيم الإخوان المسلمين لتثبيت أركانه في الدولة المصرية.

دول الخليج اعتبرت ذلك تهديداً لها لأن الإخوان المسلمين يحملون مشروعاً ينهي الدولة الوطنية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يلقي بتبعات سلبية على واقع ومستقبل الوضع في المنطقة العربية بأسرها، وهو ما لم تضعه واشنطن في حساباتها تجاه تطورات الأحداث في المنطقة.

ولا ينسى الخليجيون التخبط الأميركي الذي كان من شأنه لو لم تتحرك دول الخليج لمواجهته لأدى إلى سقوط البحرين في يد النفوذ والسيطرة الإيرانية. ولا ينسى الخليجيون أيضاً سعي الإدارة الأميركية لرفع شعار التوجه شرقاً، أي توجيه التركيز الأميركي نحو الشرق ومواجهة النفوذ الصيني المتزايد هناك..

والذي اعتبره الخليجيون على أنه سيأتي على حساب الالتزام الأميركي بأمن واستقرار المنطقة. ويضاف إلى ذلك بالطبع التردد الأميركي في أخذ زمام القيادة والريادة في العمل لتحقيق أمن واستقرار المنطقة بعد أن تراجعت عن خطوطها الحمر التي وضعتها للرئيس السوري بشار الأسد.

كل ذلك يجعل الخليجيين متوجسون من حال التحالف الاستراتيجي القائم بينهم وبين واشنطن، لذلك فإن جلوسهم مع الرئيس الأميركي يُعتبر خطوة هامة في الفترة الراهنة المليئة بالتحديات والأخطار لأمن واستقرار المنطقة من أجل ضمان قوة التحالف القائم. ثانياً، التوجس من التقارب الأميركي مع إيران من خلال الاتفاق المتوقع التوصل إليه حول برنامج إيران النووي في هذا الصيف.

الخليجيون هم أكثر الأطراف تحفظاً على مشروع الاتفاق، لأنهم وبكل بساطة هم في قلب الحدث، فالذي يده في النار ليس كالذي يده في الماء، حيث إن أية تبعات غير محسوبة ستلحق بالضرر الكبير على دول المنطقة. إن التوجس الخليجي من مشروع هذا الاتفاق مرده التالي:

أ‌. إن المطروح والمتداول يشير بوضوح إلى أن مشروع الاتفاق لا يُوقف برنامج إيران النووي، وبالتالي الحديث الدائر هو أن إيران تحصل على أكثر مما تقدمه وفقاً لهذا الاتفاق. ودول الخليج متوجسة من مثل هذا العرض الذي سيفيد إيران أكثر مما يفي بغرض خلق الثقة في البرنامج النووي الإيراني لضمان سلميته وعدم تحوله إلى الخطوة الخطرة بالنسبة لها.

ب‌. إن المطروح يشير إلى عدم وضوح الرؤية حول ضبط ورقابة البرنامج النووي الإيراني لضمان عدم تحوله إلى خطوة اللاعودة. فالخطة B غير معروفة في حالة ما لم تلتزم إيران بتعهداتها أمام المجتمع الدولي. الخطة B ضرورية لأنها تضع الطرف الآخر أمام الواقع الذي سيواجهه في حالة تخلفه عن الالتزام بتعهداته. وهذه الخطة يجب أن تكون أممية وليست أميركية..

حيث من المفترض أن يلتزم بها الجميع من دون العودة إلى التشاور من جديد بين تلك القوى حول سبل الرد. فمجرد العودة مثلاً إلى مجلس الأمن الدولي للتشاور حول الإجراء المفروض اتباعه سيفتح المجال أمام أطراف دولية لتستخدم قوتها السياسية لمعارضة ما تراه غير مناسب لها سياسياً.

ت‌. عدم وضوح طبيعة مشروع الاتفاق، بمعنى هل هو اتفاق تقني مختص بالأمور التقنية للحد من البرنامج النووي الإيراني أم أنه اتفاق سياسي يشمل التنازل في قضايا سياسية بين الجانبين بهدف الوصول إلى تنفيذ ملزم للاتفاق. دول الخليج العربي تريد الوضوح حول هذا الموضوع كي لا تتفاجأ بعد ذلك بما لا يتماشى ومصلحتها العليا. مصلحة دول الخليج العربي في أن يبقى الاتفاق تقنياً يضبط برنامج إيران النووي..

وأن لا يكون اتفاقاً سياسياً ترتبط به تنازلات سياسية من كل طرف للطرف الآخر. ث‌. عدم وضوح الوضع الذي سيكون عليه البرنامج النووي الإيراني بعد انقضاء المدة المحددة لسريان الاتفاق، والتي تتراوح ما بين عشر إلى خمس عشرة سنة. هل سيكون هناك اتفاق جديد؟ أم سيتم تمديد الاتفاق القائم؟ أم سيسمح لإيران بتطوير قدراتها النووية برقابة وضبط مختلفة؟

دول الخليج العربي متوجسة من حال البرنامج النووي خلال ما بعد فترة انتهاء المدة الزمنية، فهي بحاجة إلى ما يضمن لها وضوح الرؤية المستقبلية حول هذا الموضوع. الرئيس أوباما يريد تحقيق مكاسب فورية من وراء التوصل إلى الاتفاق، ولكن دول الخليج همّها ما هو أبعد من نظرة أوباما التكتيكية الضيقة.

الخليجيون ذاهبون إلى كامب ديفيد وهم أكثر قوةً وحزماً بفضل تحركهم المشترك في مواجهة التوغل الإيراني في اليمن، وأنهم كذلك أكثر قوة اليوم في عين الجميع بمن فيهم الطرف الأميركي.

فواشنطن في أمس الحاجة للخليجيين اليوم من أي وقت مضى، لأنهم وبكل بساطة قد أثبتوا أنهم قادرون على تحمل المسؤولية وأخذ زمام المبادرة، وهو وضع جديد من شأنه لو استثمر أن ينقل التحالف الخليجي الأميركي إلى مرحلة جديدة أكثر قوة وثباتاً.