كنا دائماً كذلك نحن الخليجيين، لم نعرف الفرقة بيننا بسبب دمنا وديننا ووطننا، لأننا كنا ننظر إلى بعضنا البعض بأننا أصحاب دمٍ واحدٍ، ودينٍ واحدٍ، ووطنٍ واحد، لا فرق بيننا. لم نكن نعرف أن هذا شيعي..

وهذا سني، ولم نكن نعلم ماذا تعني مثل تلك التقسيمات، لأننا كنا كلنا على قلبٍ واحد، وإن اختلفت مذاهبنا، فالدم والدين والوطن كان جامعاً لنا. ولكن الطامة الكبرى أتت عندما دخلت علينا أيادي الشر لتفرق جمعنا وفقاً لأجندة تحملها لتمزيق فكرة أننا من دمٍ واحدٍ، ودينٍ واحدٍ، ووطنٍ واحد.

هذا الشر أتانا وللأسف بسبب سياسات متعمدة اتبعتها بعض الدول في نطاقنا الإقليمي وأثرت بشكل مباشر على تمزيق وحدتنا تلك. فالثورات التي قامت باسم مذهب ديني معين جاءت بسياسات وممارسات استهدفت وحدة البيت الخليجي الداخلي. فذلك التجانس بين مواطني كل دولة خليجية تضرر بشكل مباشر وغير مباشر من جراء التدخلات الخارجية لمثل تلك الثورات، التي أتت بهدف نسف الوحدة الوطنية.

فمثل هذه الثورات لم تأتي لترفع شعارات التعاون المشترك والاحترام المتبادل والتعايش السلمي بل رفعت شعارات تستهدف وحدتنا وتجانسنا، فأصبحنا نتيجة لذلك بلا وحدةِ دمٍ، ولا وحدةِ دينٍ، ولا وحدةِ وطن، حيث الكل أصبح يشكك في الكل. ويا لها من طامةٍ كبرى.

أينما نذهب اليوم نجد أن مخطط مثل أولئك الذين أرادوا للتجانس الاجتماعي في الدول العربية التفكك قد نجح وللأسف. فالعـــراق وسوريا واليمن ولبنان أصبحت مرتعاً للصراع المذهبي. ف

الوضع هــــناك أصـــبح بكل تأكيد وضعاً لا يمكن أن يكون فيه أهل تلك الدول أصــحاب دمٍ واحدٍ ودينٍ واحدٍ ووطنٍ واحد، بل أن النزعة العرقـــية والنـــزعة المذهبية والنزعة الطائفية قد انتصرت وأصبحت اليوم هي المُحرك لكل ما يدور هناك من تشرذمٍ وانقسامٍ وحروبٍ وصراعات.

هذا ما يراد لدول الخليج العربي أن تصل إليه. فهم يريدون ما حل بالعراق وسوريا واليمن ولبنان أن يحل أيضاً بالدول الخليجية. هذا هو هدفهم الأعلى، لأنهم يدركون أن مثل هذه الدول بها من التركيبة المذهبية ما يعتقدون أنهم يستطيعون اللعب من خلالها لتحقيق أجندتهم.

وهنا نقول بأنه في حالة ما انجرف أهل الخليج وراء تلك المساعي الخبيثة فإن أصحاب تلك السموم سيتمكنون من تحقيق هدفهم في شرذمة التجانس القائم في البيت الخليجي. فللأسف هناك من بيننا من تستهويه تلك الشعارات البراقة التي يرفعها أولئك المغرضون، فيميلون لها ويستميتون في الدفاع عنها. وهذا ما يريده الآخر أن يحدث لنا، فهو يعلم أنه غير قادر على مواجهة هذه الدول عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.

لذلك أصبح يميل إلى استراتيجية ضرب النسيج الداخلي، واستخدام الداخل لتحقيق هدفه في إثارة الفتنة بين شعوب دول الخليج. ويظل هو يشاهد ما يحدث، حيث إن ما يحدث يحقق أجندته التي يسعى لتحقيقها ولكن بأقل التكاليف الممكنة عليه.

شعوب دول الخليج عليها أن تتيقن لهذه المؤامرة التي تحاك ضدها، وأن تدرك أن الوقت الراهن هو وقت الوحدة الوطنية والتلاحم الوطني في سبيل مواجهة كل مشروع يستهدف أمن واستقرار دول المنطقة. فهذا ليس وقت التشدد، لأن التشدد لن يؤدي إلا إلى مزيدٍ من التشدد، الذي للأسف سيأخذنا إلى الصدام. فالوقت الحالي بحاجة إلى لم الصفوف للوقوف ضد الإرهاب الذي يأتينا من الخارج ومدعوم بقوة من جهات عدة.

كلنا اليوم يجب أن نؤكد أننا أصحاب دمٍ واحدٍ ودينٍ واحدٍ ووطنٍ واحد، ولا مكان لكل ما يمكن أن يقف في وجه هذه الوحدة.

وعلينا أن نكون واضحين سنة وشيعة بأن كل من يحاول ضرب نسيج هذه الوحدة يجب أن يواجه من الجميع، فلا يمكن للأخوة الشيعة أن يسمحوا للحوثيين ولا لحزب الله ولا للدول الداعمة لهم بأن يعبثوا بأمن منطقتنا الخليجية، كما لا يمكن للأخوة السنة أن يقبلوا لداعش والقاعدة والنصرة أن يعبثوا في أمن دولنا الخليجية وفي سلامة نسيجنا الوطني.

هذه خطوط حمر تُعبر عن وحدتنا نحن كشعوب خليجية، فلا يمكن السماح بتجاوزها من كائنٍ ما كان. فأعداؤنا يتمنون أن نصل إلى ما وصل إليه العراق وسوريا واليمن ولبنان من تشرذم في البنية الوطنية. فهناك من يُفجر مسجداً لمسلمين شيعة في السعودية ليثير كره الشيعة لأهل السنة، ويثير كره السنة لأهل الشيعة.

وهناك من يستخدم تلك الحوادث ليصفها بأنها من أعمال أهل سنة السعودية ضد شيعتها بهدف توسيع شق الصف الداخلي السعودي. فالنار لا يمكن أن تشتعل إلا بوجود شرارة، والشرارة اليوم يحاول البعض إشعالها في بيتنا الخليجي بين السنة والشيعة لضرب وحدتنا كأصحاب دمٍ واحدٍ ودينٍ واحدٍ ووطنٍ واحد، فعلينا أن نقطع الطريق أمامهم، لأن ذلك واجبٌ ومسؤوليةٌ حضاريةٌ على كل خليجي يعيش على تراب أرض خليجنا الطاهر.