دولة القانون والإرهاب والأمن

هل يمكن مواجهة الظاهرة الإرهابية من خلال سياسة تغليظ العقاب؟

الإجابات السهلة التي تم تداولها في إطار النخبة السياسية الحاكمة ولدى بعض المعارضات مفادها أن تغليظ العقاب سيؤدي إلى تخفيض معدلات الجريمة.

إن تغليظ العقوبات في الجرائم الإرهابية الخطيرة لن يحقق الردع العام أو الخاص ومن ثم يؤدي إلى الحد من الظاهرة، إلا إذا كان تشديد العقوبات جزءاً من سياسة واستراتيجيات عملية تتعامل مع منابت الظاهرة في السياسات الاجتماعية التي تشكل في ذاتها بيئة إدراكية وسوسيولوجية تدفع بعض الأشخاص للوقوع في دائرة جذب الخطاب الديني/السياسي الإرهابي، أو الخطابات الدعوية والإفتائية والتعليمية.

من ناحية أخرى أصبح العقل القانوني الشكلاني، يشكل في ذاته عقبة كأداء إزاء عملية إنتاج حزمة من السياسات الفاعلة لمواجهة الظاهرة الإرهابية على صعيد الفكر والممارسة العنيفة، وهو ما ظهر خلال عديد العقود منذ ظهور هذا النمط من الجماعات وحتى هذه اللحظة الحرجة في المواجهات، ومع ذلك لم تدرس هذه التجارب القانونية والأمنية والدينية والتعليمية على نحو اتسم بالدقة والموضوعية بناء على توظيف المنهج والمقاربات السوسيو – سياسية، والسوسيو – دينية، والسوسيو – قانونية إلا استثناءً.

أحد أبرز أعطاب السياسة أنها لا تزال تتعامل مع الظاهرة، وكأنها هي التي سادت منذ عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وأن داعش وأشباهها ونظائرها، هي القاعدة في بداياتها، والجماعات الإسلامية الراديكالية في مصر الآن، هي ذات حزب التحرير الإسلامي (الفنية العسكرية)، والمسلمون «التكفير والهجرة» والجهاد، والجماعة الإسلامية والقطبيين والتوقف والتبين .. إلخ.

تشكل هذه النظرة وخبرات مواجهة هذه الجماعات الرأسمال الخبراتي لأجهزة الدولة الأمنية والاستخباراتية في التعامل مع هذه الجماعات الآن، رغماً عن بعض التغيرات الكبرى على مستوى بنية التأويل الأيديولوجي الوضعي، وعلى مستوى نوعية الكوادر المنخرطة في هذه التنظيمات، وقدراتها في التخطيط، والتكتيكات وتوظيف الثورة الرقمية كفكر وإدراك ولغة وحساسية في التعامل مع أجهزة الأمن والاستخبارات في إقليم مضطرب وواقع ديني التبس فيه الاجتماعي مع المذهبي مع الإحباط والتهميش السياسي والاجتماعي، كما في العراق وسورية.

من هنا نحن أمام ظواهر جديدة وفكر وممارسات مختلفة حيث تحول الإرهاب إلى إشاعة أقصى درجات الوحشية غير المألوفة من حيث ابتداع أساليب وحشية في القتل والتعذيب، وذلك لإشاعة أقصى درجات الخوف كما هو الوضع في ممارسات التنظيم في سورية والعراق (داعش)، وتم تحقيق هذا الهدف في المثال العراقي، في عدم قدرة الجيش على أداء المهام المنوطة به لاعتبارات عديدة منها الخوف والرعب، وغياب العزم السياسي والقتالي على المواجهة إلا قليلاً، والأخطر استدعاء قوات الحشد الشعبي لأداء مهام هي جزء من وظائف الدولة ذاتها!

من هنا نحن أمام ظاهرة قديمة جديدة، ومن ثم نحتاج إلى دراسات وعمل استخباري ومعلوماتي، ونمط تدريبي أكثر تطوراً من ذي قبل، صحيح أن الآلة الأمنية تعرضت لاهتزاز شديد في المرحلة الانتقالية، إلا أنها استطاعت أن تستعيد بعض فعالياتها وقدراتها السابقة، ولكن يبدو ثمة احتياج موضوعي ملح لتحديث الآلة التسليحية والمعلوماتية لقوات الأمن، ناهيك عن نمط وأساليب في التدريب وإعادة التأهيل أكثر تطوراً لمواجهة تنظيم يتجاوز عدد جنسياته أكثر من ثمانين جنسية وبعض التقديرات تذهب إلى أنه تنظيم متعدد الجنسيات يصل إلى مائة جنسية في تكوينه.

الأهم أننا إزاء جزء من الجيل الرابع وتشكيلات للجيل الخامس من الحركات الإسلامية الإرهابية. ثمة دوافع جديدة ومختلفة للانضمام إلى هذا التنظيم، وأعضاء شباب لديهم حساسية وقدرات جديدة تتساوق مع الثورة الرقمية الهائلة التي أعطت لداعش والنصرة وسواهما إمكانات كبيرة، بالإضافة إلى الأسلحة الحديثة، والقدرات الاستخباراتية – بعض كوادر داعش من ضباط الجيش والاستخبارات العراقية والسورية وغيرها- والأموال، وآبار نفط، وتواطؤات إقليمية ودولية مع هذا التنظيم الخطير.

من هنا تبدو الحاجة إلى تكامل منظومة سياسات المواجهة للظاهرة الإرهابية، لأن من يمارس العنف والقتل والتخريب والتدمير واع بعمله ومآلاته حال القبض عليه، ويعتبر عمله دينيا واستشهاديا وفق أسانيد تأويلية دينية منحرفة.

الأكثر مشاركة