بعدما كانت دبي وأبوظبي أرضاً قاحلة شبه خالية من المتسوّقين، حيث كانت تتوافر فقط المنتجات الأساسية في المتاجر الرائدة، صنّفت الشركة الاستشارية CBRE دبي هذا العام في المرتبة الثانية وأبوظبي في المرتبة الثالثة في قائمة الوجهات الأهم للتسوّق، بعد لندن مباشرةً.
تلقى تجارة التجزئة رواجاً كبيراً في الإمارات العربية المتحدة، بدفعٍ من البنى التحتية من الدرجة الأولى، ووسائل النقل الشاملة، والفنادق 7 نجوم، ومراكز التسوق الضخمة متعددة الطبقات وذات التصاميم الرائعة، والمتاجر. لقد تحوّلت البلاد، بفضل الظروف المواتية للأعمال والثقة الاستهلاكية الراسخة، إلى مركز جذب للعلامات التجارية العالمية والفاخرة.
يصف إريك فولكرز، كبير مستشاري CBRE لشؤون الشرق الأوسط، إمارة دبي بأنها «عاصمة الموضة في الشرق الأوسط».
ويؤكد أيضا أن «دبي تضم 55.7 في المئة من تجار التجزئة الدوليين. وخلال عام 2014، استقطبت 45 علامة تجارية عالمية جديدة، مع قيام أسماء بارزة مثل هوليستر وكافالي كافيه وإم سي كيو ألكسندر ماكوين بافتتاح فروع لها في الإمارة».
تختار العلامات التجارية الراقية دبي لإطلاق سيارات خارقة، وساعات وعطور فاخرة في دبي؛ وفي هذا السياق، نذكر على وجه التحديد أن شركة «آبل» ابتكرت هاتف «آيفون» المصنوع من الذهب 24 قيراطاً، بأعداد محدودة، خصيصاً للسوق الإماراتية.
ليس شعار «نملك ما تريده» مجرد حملة ترويجية فارغة من المضمون في الإمارات، حيث كل ما يمكن أن يخطر على البال متوافر ومتاح.
لقد وضعت دولة الإمارات، في إطار سعيها لتنويع الاقتصاد، استراتيجية لتطوير قطاع البيع بالتجزئة، فاستقطبت تجاراً بالتجزئة يملكون بعضاً من أجود أرقى التحتية، كما أنهم يستطيعون بسهولة تأسيس عمل في أي مكان على هذا الكوكب.
وقد قامت دبي بخطوة فذّة عندما أطقت في العام 1996 مهرجان التسوق السنوي الذي يستمر شهراً كاملاً، وذلك بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الذي أراد من خلال هذا الحدث، تعزيز قطاع السياحة، حيث تخفّض المتاجر أسعارها، ويستفيد الزوار من الانخفاض في أسعار تذاكر السفر.
وقد ترافق التسوق على الفور مع المتعة ووسائل الترفيه. فقد أضافت عروض الألعاب النارية، وسحوبات على سبائك من الذهب وسيارات فخمة، والفنانون في الشوارع والعروض التي تستضيفها مراكز التسوق، بعداً جديداً إلى فن التبضع.
حقّق هذا المفهوم نجاحاً كبيراً، ما أدّى إلى إطلاق مهرجان صيفي في العام 1998، تحت اسم «مفاجآت صيف دبي»، الأمر الذي أضاف إثارةً وحماسة، ناهيك عن زيادة الإيرادات خلال فترة الصيف التي تُعتبَر أقل حركةً خلال العام.
واليوم أصبحت المهرجانات أفضل وأكبر حجماً، من خلال عروض الأزياء الدولية، والبرامج الثقافية والترفيهية، فضلاً عن العروض الأولى للأفلام التي تتيح للأشخاص فرصة لقاء مشاهير دوليين من الطراز الأول. فلا عجب في أن مدناً أخرى تسعى إلى اللحاق بالركب، لكن كما يُقال، التقليد هو أصدق أشكال المديح.
يخضع «دبي مول» الذي يشتهر بحوضه المائي الذي يُعتبَر الأكبر في العالم، لعملية توسيع كبرى «استعداداً لاستقبال أكثر من مئة مليون زائر في السنة»، بحسب موقعه الإلكتروني.
تتمثّل المرحلة الأولى في إضافة مليون قدم مربعة لاستضافة متاجر جديدة. أما في «مول الإمارات»، وإلى جانب المجموعة الواسعة من المتاجر، فبإمكان المتبضّعين أن ينتعشوا في أول متنزه مغلق للتزلج في الشرق الأوسط أو الاسترخاء فيما يستمتعون بمشاهدة العروض في مسرح دبي الاجتماعي ومركز الفنون.
وكذلك تقدّم مراكز التسوق الفسيحة في العاصمة أبوظبي، مثل «أبوظبي مول»، و«مارينا مول»، و«الوحدة مول» وسواها الكثير، خيارات لا متناهية للترفيه وتناول الطعام. وبإمكان زوار جزيرة ياس التي يسهل الوصول إليها من العاصمة، أن يمضوا يوماً كاملاً حافلاً بالنشاطات مع العائلة في «ياس مول» المتصل بعالم فيراري وعالم ياس المائي.
ويجري العمل حالياً على تشييد مشروع «الماريه سنترال»، وهو عبارة عن مركز جديد للتسوق والترفيه في جزيرة الماريه في العاصمة أبوظبي، تبلغ مساحته 1.7 مليون قدم مربعة، ويضم مساحات مخصصة لألعاب الكاروسيل، وملاعب كرة قدم، ومتنزهات للعب على ألواح التزحلق، وصالات سينما في الهواء الطلق.
يُتوقَّع أن يستقبل المشروع الذي هو من بنات أفكار قطب العقارات، كين هميل، أكثر من عشرين مليون زائر في السنة.
ما إن يُخيَّل إلي أن قطاع تجارة التجزئة قد أصبح متخماً حتى يثبت المستثمرون أنني على خطأ. يتدفّق المصنّعون والموزّعون وتجار التجزئة إلى الإمارات العربية المتحدة استباقاً للزيادة المتوقعة في النمو خلال معرض إكسبو 2020 الذي يستمر ستة أشهر وتُعرَض خلاله منتجات مبتكرة من مختلف أنحاء العالم.
تشير التوقعات إلى أن عدد زوّار الإمارة خلال المعرض قد يصل إلى 25 مليون شخص، ويُعتقَد أنه ستترتّب عنه نتائج إيجابية على قطاعات العقارات والفنادق وتجارة التجزئة. إنه إنجاز حقيقي لمدينة دبي أن يختارها مكتب المعارض الدولي لاستضافة معرض إكسبو 2020، متفوّقةً بذلك على المدن المنافسة في تركيا والبرازيل وروسيا.
يتوقّع مكتب الاستثمار الأجنبي في دبي أن تصل قيمة قطاع تجارة التجزئة إلى 151 مليار درهم بحلول عام 2015، أي بزيادة بنسبة 32.9 في المئة في النمو منذ عام 2012. تستند هذه التقديرات إلى النمو السكاني، وارتفاع المداخيل القابلة للصرف من الدخل السنوي للفرد، وتدفّق متاجر التجزئة الدولية المرموقة، ومواكبة السكان الشديدة للموضة.
يلوح في الأفق «انفجار» في التجارة الإلكترونية، حيث يصبح المستهلكون أكثر إتقاناً للأمور التكنولوجية، بحسب توقّعات الخبراء الذين يشيرون إلى أن إمارة دبي لم تُظهر حتى الآن اهتماماً بالتسوق عبر الإنترنت بقدر سواها من أسواق التجزئة، كما نقلت عنهم غرفة دبي.
هذا لا يفاجئني على الإطلاق. فمن يحتاج إلى إرسال طلبه عبر الإنترنت في حين أنه بإمكانه أن يلتقي بأصدقائه في مكان واحد يجمع بين التسوّق والترفيه والرياضة وتناول الطعام!
لقد ولّى الزمن عندما كان الإماراتيون والوافدون يقومون برحلات منتظمة للتسوق في لندن أو باريس أو جنيف من أجل مواكبة أحدث صيحات الموضة. فالإمارات العربية المتحدة لم تعد تتبع الموضة، بل باتت تشارك في صنعها.