لن ننسى..

كان يوم جمعة، كان يوماً من أيام الله، عندما فجعنا بخبر استشهاد 45 جندياً من أبطالنا البواسل في اليمن، عمّ السكون في كل مدينة وقرية في الإمارات، سكون مشوب بالحزن، لم نخسر عدداً مثل هذا سابقاً.. وبعد أن انقضى اليوم وخرجنا من هول الصدمة تبدلت كل المشاعر المتناقضة التي اعترتنا.. لم يتبدل الحزن.. فالقلب يحزن والعين تدمع على الغريب فما بالكم إذا كان من رحل رحل وهو يدافع عني وعنك، لم يتبدل الحزن، ولكن هاجت في النفس مشاعر الفخر والعزة فاختلطت مع الحزن.

من شاهد ذوي الشهداء سيعرف ماذا أعني، ومن رأى وجه والد ذلك الشهيد سيعي أن الأمر ليس فقد رجل ولا رحيل ابن، إن الأمر أكبر من هذا، من كان يرفض تلقي التعازي ويطالب الناس بأن تبارك له فقده، هذا رجل فقد أعز ما يملك لكنه يعلم بأن الوطن يستحق وبأنه أعز وأعز من كل شيء، فوطن لا نحميه، بكل تأكيد لا نستحق أن نعيش فيه.

خرجوا ملبين نداء الواجب، منهم من ودّع أهله على أمل أن يعود ومنهم من ودع إلى غير رجعة، لم يخرجوا بطرًا، خرجوا تحت قيادة رجل مطاع فينا، إن قال خوضوا البحر لخضناه دون تردد.

خسارة الأرواح مؤلمة فكيف بمن خسر 52 رجلاً من خيرة شباب هذا الوطن، لذلك لا أحد يستحق الاحترام والتقدير كالجنود، فالأوطان تبنى على تضحيات هؤلاء، لا تُبنى بالتمني ولا بشعر الحماسة.

لم تدع حادثة استشهاد جنودنا في اليمن لأحد من الموتورين مساحة للمناورة والتشكيك، فقد كانت كاشفة للنوايا الصادقة لدولتنا، كانت درساً لكل من شكك في نوايا قيادتنا بأن اليمن جزء من الوطن العربي وبأننا إن لم يكن لنا موقف حازم في اليمن فلن يكون لنا شيء آخر مستقبلاً.

يا سيدي قد يقال فيك كل شعر المدح والفخر ولا أعتقد أنه يوفيك حقك، وقد تكتب فيك المقالات ولا أعتقد أنها تنصفك، فمن رآك يا سيدي منذ أول يوم سيعرف أن علاقة الحاكم بالمحكومين مجرد كلام إنشائي، فالعلاقة بيننا وبينك يا سيدي لا يستطيع أحد شرحها، ولا يقدر أي بليغ أن يصفها، فنحن لا نستطيع أن نفسر للآخرين هذه العلاقة، هي كالفطرة، نولد بها ومع مرور الأيام والسنين تصبح من أساسيات الحياة، فلا الزرع يحيا بلا ماء ولا نحن نسير بدون قيادتك.

قال لي أحد جرحانا إن دخولك عليهم كان كالدواء وحديثك معهم كان كالبلسم، منهم من فقد رجله ومنهم من فقد يده ومنهم ما عاد يقوى على المشي، كل هذا الألم اختفى بمجرد النظر بوجهك المشرق.

تهنئتي لك يا سيدي، إنك تعرف ماذا أخذت من قلوب هؤلاء، إنك تعرف ماذا ورثت من والدك، أمة نصفها يقدم لك الولاء والطاعة، ونصفها يقدم لك روحه حتى يرى ابتسامتك تملأ محياك، ودولتك يا سيدي الحكم فيها لمن عدل.. وأنت يا سيدي أساس العدل، يا سيدي.. الوطن قبل أن يكون جغرافياً فهو عقيدة قبل أي شيء، وفي المحن نعرف الوطن حق المعرفة.

بعد كل هذا آن لنا أن نعي أن تضحيات جنودنا من أبطال القوات المسلحة لن تذهب أدراج الرياح وأن هناك آخرين يتمنون أن يكونوا في مكانهم، وأن هذا الشعب أقسم برب العزة أن يبقى هذا الوطن شامخاً مادام في القلب دم يجري، وأن دماء أبطالنا لن تذهب هدراً مادمنا تحت قيادة تتألم على جرح طفل صغير، فما بالكم بفقد 52 رجلاً. ثق تماماً يا سيدي أن هذه الحرب ستمضي إلى النصر بعون من الله، فيد الله فوق أيدينا، والشر لا يتطاول على الخير أبداً مهما علا صوته. تقبل الله شهداءنا الأبرار وعافى جنودنا البواسل ونصر الله رجالاً لبوا نداء الواجب وحملوا السلاح في الجبهات.

الأكثر مشاركة