بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية، توقع المراقبون بانفراج ولو جزئي للأزمات المتفاقمة في المنطقة، بسبب التدخل الإيراني السافر في شؤون الآخرين، إلا أن النزعة والسياسة الإيرانية الداخلية والخارجية ظلت تقريباً على حالها في التعاطي مع الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.
أصلاً فالقيادة الإيرانية مصابة بانفصام حاد وعقدة الاضطهاد؛ تنظر إلى الآخرين على أساس أنهم مناوئون أو خصوم أو أعداء أو حتى ناظرون بعين الحسد للنجاح الذي تحرزه في مختلف الميادين!.
الإعلام الإيراني والمؤازر والتابع له، عن قرب وعن بعد، لم يزل يمارس سياسة "فرّق أو مزِّق تسد" إزاء الجيران من الخصوم والأعداء وحتى الأصدقاء. الدعاية السياسية وماكينتها وأبواقها الإعلامية تعمل ليل نهار وعلى مدار الساعة لإظهار إيران كقوة إقليمية عظمى.
هذا في حين تُظهر الآخرين صغاراً تتعاطى معهم بازدراء وتحقير وتهميش. تنظر إلى الكيانات والدول القريبة والبعيدة حسب حجمها الديمغرافي ودرجة ولائها أو تابعيتها للنظام الإيراني ذي الطبيعة الطائفية، روحاً ومعنىً. تنشر وتنثر إعلاماً تحريضياً من شأنه وأهدافه ضرب الاستقرار في المجتمعات الأخرى. لا تزال تضخ أموالاً طائلةً للإبقاء على مواليها في حالة من القوة والتأثير في تأجيج الفتن والقلاقل في المنطقة.
ينسى أو يتناسى النظام الإيراني أن لديه جبهةً داخليةً يمكن العبث بها بسهولة خاصةً أمام قوى عظمى إقليمية أو دولية. الفسيفساء الديموغرافية الإيرانية من التنوع والتفارق بمكان؛ إذا ما عوملت إيران بالمثل فسيؤدي ذلك إلى تصدع في الدولة والمجتمع الإيرانيين كما حدث في العراق وسوريا، وربما لبنان واليمن والبحرين. في تلك الدول ساهم النظام الإيراني في تفاقم الأمور والأهوال حتى وصلت إلى الشروع بحمام دم، لا يندمل بمرور العقود والعهود من الزمن.
إيران مسؤولة بشكل مباشر بل صارخ عن المآسي والكوارث التي تحل بمعظم الأقطار العربية المتأثرة شعوبها بالمنهجية الإيرانية الطائفية. يوماً ما يمكن أن ينقلب السحر على الساحر وتثور الشعوب والكتل والإثنيات الإيرانية مما يهدد مستقبل الدولة الإيرانية الواحدة؛ المتماسكة حالياً بفعل قوة الجيش والأمن السري والحرس الثوري الإيراني.
أحياناً أخرى إيران بعد توقيع الاتفاق النووي أكثر تورطاً وبؤساً في العلاقات مع الغير، الإقليمية والدولية. تواجه انتكاسات موجعةً بل خطيرةً في الملفات العراقية والسورية واليمنية واللبنانية والبحرينية وغيرها.
المعارضة السياسية والمقاومة العراقية المسلحة وصلت مرحلةً متقدمةً في تحجيم التواجد الإيراني في العراق، والذي يواجه وضعاً شديد التعقيد والحرج والخطورة. الأمر ذاته في الملف السوري حيث المعارضة السورية المسلحة تحقق إنجازات على الأرض مما يجعل النظام السوري الموالي لإيران يبدأ مرحلة العد العكسي النهائي لسقوطه.
الحوثيون في اليمن على وشك الزوال من المسرح السياسي، المحلي والإقليمي، بفعل التعاون العربي والدولي لوضع حد للتمرد الذي تقف خلفه إيران بكل ما أوتيت من قوة.
المعارضة البحرينية التي تدعمها إيران تواجه وضعاً لا تُحسد عليه بسبب انحسار إمكانياتها السياسية والإعلامية والمالية في مواصلة التمرد على النظام البحريني المعتدل.
لدى إيران كَمٌّ لا حصر له من المشاكل والأزمات والمعضلات والمشاريع الاستراتيجية. بدلاً من تبديد الجهود والطاقات والأموال في زعزعة استقرار الغير فإنه بالإمكان توجيه تلك الطاقات في سبيل تنمية القدرات السلمية والاجتماعية، المحلية والإقليمية والدولية.
الأنظمة الزراعية والصناعية والتعليمية والصحية والتجارية وغيرها الإيرانية بحاجة إلى جهود وأموال طائلة للتقدم فيها. هنالك أزمة عالمية تتفاقم ناجمة عن تدهور الاقتصاد العالمي.
الدول النفطية ومنها إيران تواجه وضعاً متردياً بسبب أزمة تهاوي أسعار النفط المتفاقمة. ماذا لو يتلاهى النظام الإيراني في استيعاب الأزمة أو إدارتها بأسلم الطرق الممكنة بدلاً عن مواصلة التدخل السلبي المكلف في شؤون الغير؟! كل الغير تقريباً.
بات على النظام الإيراني أن يكف عن سياسة الغطرسة والانفصام والشعور بالاضطهاد والتعامل الهمجي ضد الغير. عدا ذلك فإنه يحكم على نفسه وشعبه بأزمات وعواقب لتلك الأزمات قد لا تكون أقل وخامةً عما أوقعه بغيره من الشعوب الضعيفة أو المستضعفة. حقيقةً فإن النظام الإيراني الذي نصَّب نفسه مكافحاً ضد الاستكبار العالمي يمارس سياسةً تضاهي سياسة الاستكبار نفسها، وبطرق نشاز وهمجية دموية عنيفة.