في إطار الحديث عن علم الاقتصاد ومقولاته، كيف نستفيد منها إزاء ما أعلن من اكتشافات حديثة عن مؤشرات قوية عن حقل هائل للغاز الطبيعي في الشواطئ المصرية للبحر المتوسط. فماذا يقول علم الاقتصاد للتعامل مع هذا الوافد الجديد.

يفرق الاقتصاديون بين مفهومين كثيراً ما نقابلهما في تعاملنا مع الاقتصاد، وكثيراً ما يؤدي عدم الوضوح في تعريف طبيعتهما إلى مشكلات كبيرة في المستقبل. فعندما يتحدث عن اكتشاف مورد جديد للغاز، أو للبترول، فكيف ننظر إليه، وعلى أي أساس نتعامل به إزاءه؟ وأود هنا إذ أركز على التفرقة بين مفهومين في الاقتصاد، وهما مفهوما «الثروة» و«الدخل». وهما أمران مختلفان.

«الثروة» هي التي تولد «الدخل». فالأرض ثروة وهي تساعد على توليد دخول عند استخدامها في الزراعة أو في الإسكان أو الصناعة. وكذا المصنع ثروة وهو يولد دخلاً عن طريق ما ينتجه من سلع أو خدمات.

أما الدخل فإنه يعرف بعنصرين القيمة والمدة الزمنية. فأنت تتحدث عن دخلك بمبلغ كذا في الشهر، والسنة. ويعرف المحاسبون هذه التفرقة عندما يتحدثون عن الميزانية وحسابات الدخل، فالميزانية تتحدث عن أصول المؤسسة في لحظة معينة، في حين أن حسابات الدخل تتحدث عن التدفقات المالية خلال فترة معينة.

وهنا يثور التساؤل هل عائدات البترول والغاز من قبيل الأرصدة والأصول، أم هي من قبيل الدخل والعائد. وهذه التفرقة تترتب عليها نتائج، فإذا كان النفط والغاز هو من قبيل «الثروة»، فإنه لابد من الحفاظ على قيمهما، واستخدامهما بما يحافظ على قيمتهما من ناحية وبما يوفر عائداً مقبولاً مع بقاء تلك القيمة غير منقوصة. في المفهوم الأول الاعتبار الأساسي هو الاحتفاظ بقيمة هذه «الثروة»..

وإذا كان الممكن استبدالها بأشكال أخرى من الثروة. فاستخدام هذه العوائد لتمويل استثمارات من مصانع أو طرق، يعتبر احتفاظاً بمفهوم الثروة مع تغيير شكلها لكي توفر عائدات أكبر. أما في المفهوم الثاني باعتبارها دخلاً فلا بأس من إنفاقها والارتفاع بمستوى المعيشة الحالي نتيجة ظهور هذا المصدر الجديد للدخل.

وقد واجهت معظم الدول النفطية هذه المعضلة، واتجه معظم هذه الدول ـ خاصة الخليج العربي إلى اعتبار عائدات البترول من قبيل «الدخول»، وبذلك تدخل في ميزانية الدولة وتعامل معاملة مصادر هذه الميزانية للإنفاق سواء على النفقات الجارية (خاصة الأجور والرواتب) أو النفقات الاستثمارية.

وعلى العكس من ذلك، فإن دولة النرويج عندما واجهت هذه المشكلة، فإنها بعد دراسات وافية انتهت إلى القول إن هذه العائدات هي مقابل استهلاك ثروة طبيعية في باطن الأرض، ولذلك فلابد من استخدام عوائد البيع في تكوين استثمارات أخرى مالية أو صناعية، وذلك حفاظاً على ثروة الأمة. وهكذا حرصت النرويج على إبقاء عائدات بيع النفط بعيداً عن الموازنة الجارية والإنفاق الاستهلاكي، وخصصت لتكوين محفظة استثمارية يمكن الاستفادة من عائدها.

والنتيجة التي أود أن أخلص إليها، هي أن الحكمة تقتضى أن ننظر إلى عوائد البترول والغاز باعتبارها مقابل إهلاك مصادر للثروة القومية، ولذلك يجب أن تستخدم العوائد الصافية لهذه الاستثمارات في الإضافة إلى الثروة القومية وليس تبديدها في إنفاق جار على الأجور والرواتب مثلاً. وقد يكون من المفيد أن نقيد عوائد هذه «الثروة» في موازنة خاصة للاستثمار بعيداً عن الإنفاق الجاري.