منذ بداية الثورة الشعبية السورية ضد النظام الحاكم، وعلى مدى السنين الأربع، فشلت كل محاولات النظام للسيطرة على الأوضاع. في البداية جرّب بفشل استعمال قوى الأمن الداخلي من شرطة وأمن داخلي، سري وعلني. ثم لجأ فاشلاً لاستخدام الجيش وملحقاته من قوات خاصة، وعناصر وُصفت بالشبيحة أو المتطرفين في خدمة النظام الطائفي ذي الطابع العلماني الراديكالي. مع تعاظم المد الثوري الهادر ضد النظام لجأ للاستعانة أو الاستقواء بعناصر من الخارج.
بالذات طلب النجدة من حزب الله اللبناني. كما حصل على دعم لا يستهان به من النظام الإيراني، وقوات غير نظامية من النظام الطائفي الجديد في بغداد. هذا إلى جانب متطوعين متشددين من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وتركيا.
جل الحركات التي تقاتل ضد النظام السوري ذي النزعة الطائفية العلوية، والأسدية العائلية بالذات، من المجموعات الإسلامية المعتدلة والمتشددة وشديدة التطرف. هنالك جبهة النصرة وجبهة الفتح الإسلامي والجيش الإسلامي وغيرها؛ هذا عدا عن داعش. هنالك قوات لا بأس بحجمها وقوتها وتتلخص في الجيش السوري الحر الذي يلاقي دعماً معقولاً من الدول العربية والغربية، وعلى رأس الأخيرة الولايات المتحدة الأميركية.
أدركت القيادة الروسية، متأخراً جداً، بأنه ما لم تتدخل لنصرة نظام بشار الأسد فإن الأخير آيل للسقوط لا محالة. ذلك ما يخلق بؤرةً أو مستنقعاً جديداً من الفوضى في المنطقة أسوةً بما يحدث في عدة نقاط ساخنة في العالم العربي مثل العراق وليبيا وغيرهما. لذلك فهي ترسل قواتها العسكرية للدخول في مواجهة مكشوفة مع قوى الثورة السورية وأنصارها في الداخل والخارج. إنها مغامرة ومقامرة عسكرية سياسية ودبلوماسية. تبدو أشد خطراً على النظام الروسي نفسه من مشكلة أفغانستان في السابق على الاتحاد السوفييتي السابق.
القوات الروسية في سوريا تواجه وضعاً شديد التأزم والتعقيد، إذ إن غالبية السوريين قرروا التخلص من نظام بشار الأسد، مهما ارتفع سقف التكاليف والتضحيات.
لن تتمكن روسيا بكل جبروتها من كبح جماح أو وقف الثورة السورية. لا بل إن ذلك يشكل قناعةً إضافيةً لديها على أن النظام بات من الوهن بحيث يطلب عوناً عسكرياً من دولة واهنة على الساحة السياسية الدولية، ومنذ عقود.
عسكرياً لن يستطيع الجيش الروسي ترجيح كفة النظام السوري، ولو بالحد الأدنى المطلوب. كيف سيتم له ذلك؟ هل بزيادة عدد البراميل المتفجرة التي قد تلقيها الطائرات الروسية على البيوت السورية في المدن والأرياف؟ هل سيزج بأعداد إضافية من جنود البحرية الروس إلى مواجهات مع الاستشهاديين والانتحاريين القادمين من مختلف أصقاع الأرض خاصةً من الجمهوريات السوفييتية السابقة؟ هل يستطيع «الدب الروسي» أن يصمد أمام هجمات حرب العصابات القادمة مع المقاتلين الذين قارعوا السوفييت في أفغانستان والشيشان والقوقاز ومختلف الدول الإسلامية؟
لا شك أن القيادة الروسية تُقدِم على خطوة بائسة من أجل حليف يلفظ أنفاسه الأخيرة؛ محلياً وإقليمياً ودولياً. روسيا تضحّي بما تبقّى لديها من أوراق عسكرية واقتصادية وسياسية. هي لا تقدر على مواجهة حلف الأطلسي في خاصرتها الأوكرانية وجوارها الأوروبي الشرقي. لعلها تحاول الالتفاف على حلف الناتو من البوابة السورية، كما أنها ستدخل في مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، والتي سوف تحاول الدفاع عن مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة.
الأيام أو الأسابيع المقبلة ستُظهر الساحة السورية ميداناً تتصارع فيه القوى الدولية. في ذلك وغيره على المرء أن يصلي لله كي يرحم من تبقّى من الشعب السوري صامداً في بيوته وأرضه ومدنه وقراه وفيافيه.