زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لروسيا الاتحادية كانت زيارة مهمة، حيث تبادل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد مع الرئيس الروسي بوتين الملفات الاستراتيجية الموجودة على الساحة مثل اليمن وسوريا وقضايا الإرهاب والعلاقات الثنائية بين البلدين. والمعروف أن روسيا الاتحادية لها مصالح متعددة في منطقة الخليج والشرق الأوسط، لا تقل عن مصالح الولايات المتحدة الأميركية.
ومن الطبيعي أن تتجه دول الخليج لتنويع التحالفات حتى تضمن مصالح بلدانها. وفي التطورات الأخيرة، التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط أصبح لروسيا دور متعاظم في الحرب ضد الإرهاب خاصة في سوريا، بعد أن خولت أممياً لضرب معاقل داعش في داخل الأراضي السورية، كما أن روسيا لاعب سياسي مهم في التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، نظراً لعلاقاتها مع إيران وعدد من الأطراف الفاعلة الأخرى في المنطقة.
وفي ما يتعلق برؤية الجانبين الإماراتي والروسي فإن هناك اتفاقاً في وجهات النظر بين الطرفين، فكلاهما مهتمين بأمن واستقرار المنطقة لما لها من تأثير مباشر على مصالح البلدين، وكلاهما له رؤية متسقة مع رؤية الطرف الآخر في ما يختص بمحاربة الإرهاب وكلاهما يريد العمل خارج الأطر التقليدية، التي سارت عليها الأمور لزمن طويل، خالقين مناخاً سياسياً جديداً مغايراً عن المناخ، الذي ساد المنطقة لعقود مضت، في ظل الهيمنة الأميركية على القرار السياسي العام المتعلق بمنطقة الشرق الأوسط.
المصالح الروسية في الخليج ليست بجديدة، بل ترجع إلى قرون مضت وتنامت في أواخر القرن التاسع عشر عندما كانت روسيا القيصرية إمبراطورية كبرى ممتدة من آسيا إلى أوروبا.
كانت روسيا تبحث عن منافذ استراتيجية تربطها بالمياه الدافئة كالمحيط الهندي عوضاً عن البحار المتجمدة، التي تحيطها. وكان على روسيا أن تضمن استمرارية وجودها في منطقة الخليج عن طريق التحالفات التي عقدتها عبر مد سكة حديدية تربط الخليج العربي بالبحر المتوسط عرفت بمشروع الكونت فلاديمير كبنست.
على الرغم من فشل المشروع الروسي المتمثل في مد سكة حديدية في الخليج تبدأ من الكويت وتنتهي في سوريا فإن المصالح الروسية في الخليج لم تهدأ أو تتوقف. وكما تواجه اليوم روسيا منافسة حادة من قبل الولايات المتحدة واجهت روسيا قبل قرون منافسة حادة من قبل بريطانيا، التي اعتبرت نفسها شرطي الخليج. ولم تتوقف المصالح الروسية أو تهدأ حتى قامت بريطانيا بعقد الاتفاقيات المانعة مع دول الخليج، التي على أثرها امتنعت مشيخات الخليج من بيع أو رهن أو تأجير أي جزء من أراضيها أو لقاء أي مندوب لأي دولة ما عدا بريطانيا.
على ما يبدو فإن الولايات المتحدة على إدراك تام بالدور الروسي الجديد في المنطقة، ولكن هذا الدور الروسي الجديد يأتي في وقت تبدو الولايات المتحدة منشغلة أكثر بقضايا كبرى في الشرق الأقصى وخاصة في ظل تنامي الدور الصيني كونه عملاقاً ليس فقط اقتصادياً ولكن سياسياً أيضاً.
وهكذا يأتي تنوع وتناوب الأدوار ليضيف بعداً آخر على المتغيرات السياسية التي تشهدها منطقة الخليج في الوقت الراهن. إن دولة الإمارات وهي تلعب اليوم دوراً محورياً في التطورات التي تشهدها منطقة الخليج بحاجة لتنويع تحالفاتها، وعدم الاعتماد على حليف واحد.
ونظراً للدور الذي تلعبه روسيا وعلاقاتها الاستراتيجية المتنوعة مع عدد من الأطراف الفاعلة في المنطقة تأتي زيارة صاحب السمو محمد بن زايد كونها زيارة دبلوماسية مهمة لدولة الإمارات كما هي مهمة لجمهورية روسيا، ففي عالم السياسة الذي يعتنق المثل الذي يقول، «ليس هناك صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، بل هناك مصلحة دائمة» تقف دولة الإمارات نداً لدول عظمى ليس عسكرياً، ولكن سياسياً وإنسانياً في ما يتعلق بإيجاد الحلول الكفيلة لاستقرار المنطقة.